قطر والجماعة.. وماسبيرو الأرض
فى 12 ديسمبر 2008 وداخل أحد الفنادق الشهيرة على كورنيش النيل، أطلق أحمد المغربى وزير الإسكان المحبوس حالياً، ما يسمى بمخطط القاهرة الكبرى الاستراتيجى للعام 2050، مستهدفًا استغلالاً "أمثل" لشخصية الإقليم الاقتصادية وبيع مناطق حيوية لمستثمرين، معتمدًا على نزع ملكيات وحيازات سكانها لـ"المنفعة العامة" طبقًا للقانون رقم 10 لسنة 1990.
ووصل عدد المناطق المهددة بالإخلاء القسرى تحت دعاوى التطوير إلى 77 منطقة، زادت بعد الثورة على لسان وزير التنمية المحلية الأسبق إلى 108 مناطق، جرى تصنيفها حسب درجات تخطيطها وخدماتها وخطورتها على سكانها، فيما صدرت فتوى نهاية مايو 2011 تجيز للحكومة إزالة ونقل منطقة مقابر العاصمة بين طريقى الأتوستراد وصلاح سالم، ومساحتها 2700 فدان، إلى خارج الإقليم، مع استثناء مقابر "الأولياء" من الإزالة!! وهى الفتوى التى نبهت مبكرًا لتمييز باشرته تيارات الدين السياسى ضد المصريين بعد صعودها للسلطة، بحسب تيارات صوفية وسلفية وإخوانية تسيطر أو تتمركز داخل مؤسسات دينية كبرى.
بين المناطق التى استهدفها المخطط، الواجهة النيلية الممتدة من عمارات أغاخان على كورنيش ساحل شبرا حتى ماسبيرو كمرحلة أولى، امتدادًا إلى المنطقة الواقعة بين مصر القديمة وحلوان كمرحلة ثانية، بخلاف الجزر النيلية المستهدفة بالبيع لأمراء خليجيين بغرض بناء مشروع استثمارى "واحد" على كل جزيرة.
يضاف إليها مناطق تراثية متداخلة معها مناطق سكنية، بالدرب الأحمر والخليفة والسيدة عائشة والمطرية وعين شمس ونزلة السمان على سبيل المثال، وجميعها تبدو مناطق مهملة من قبل مسئولى الآثار وتتكرر داخلها عمليات التنقيب، ويسعى رجال أعمال ومستثمرون عرب إلى شراء حيازات وملكيات متوارثة داخلها بغرض البحث عن الآثار والاتجار فيها، قبل البدء فى بناء مشروعات سياحية مكانها.
وأبرز محاولات الإخلاء القسرى لسكان مناطق القاهرة جرت بحق أهالى حكر أبو دومة الذين صدر لهم خصيصًا قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، بعد إيقاف القضاء محاولات الحكومة طردهم بغرض بيع أراضيهم لمستثمرين، إلا أن عملية طردهم لم يعقبها بناء أى مشروع لتحقيق "المنفعة العامة" طبقًا للقانون، لتجرى عملية تسقيع للأرض ويصل سعر المتر داخلها عشرات الآلاف من الجنيهات الآن على كورنيش النيل.
وعادت الواجهة النيلية مطمعًا للحكومات المتعاقبة بعد حرمان سكانها من تطوير وتنمية مناطقهم وترميم منازلهم أو إعادة بنائها، لتبدأ صفقات سرية لحكومة نظيف مع شركات خليجية استحوذت فعلياً على أجزاء غير قليلة من منطقة ماسبيرو وبولاق، وتستكمل سيطرتها الآن بوعود حكومة الإخوان ورعاية جماعتها التى يتحرك "شاطرها" بتفويض مطلق من "المقطم"، لدرجة أن قياديًا بالجماعة قال لأهالى بولاق مطمئنًا إياهم "سأتصل بمقر الجماعة والمرشد رأسًا لاستيضاح مزاعم قيام الشاطر ببيع أراضيكم لقطر"!!.
الملاحظة التى تسترعى الانتباه هى أن أحمد المغربى نفسه لم يتطلع إلى تحقيق حلم جمال مبارك فى قاهرة خالية من الفقراء بحلول العام 2050، ببيع أراضى أهالى ماسبيرو وبولاق ومعها مبنى الإذاعة والتليفزيون "ماسبيرو"، فى إشارة واضحة من الجماعة على إصرارها التخلص من ممتلكات شعب وإفقاره، وهو ما يؤكد خطورة تحالف الرأسمالية التجارية ممثلة فى حكم الإخوان، مع الرأسمالية العالمية وابنتها الإقليمية ممثلة فى "القطب" أو "القزم" القطرى، المحرك والصانع الأول لشرق أوسط جديد لحساب إسرائيل برعاية إخوانية، بعد سنوات من ابتعاد تنظيم الجماعة عن العمل داخل حدود أراضيه.
أما الثانية فهى تبشير الجماعة حليفها القطرى بـ"سبوبة" الاستثمار على طريقة تورتة "إعادة الإعمار" التى تحترفها رءوس الأموال العالمية، بعد تزايد أنباء عن قيام مجموعة شركات مصرية كبرى، بينها المملوكة لعائلة ساويرس بسحب أو تحجيم استثماراتها، العقارية خاصة، فى مصر بعد صعود الإخوان إلى الحكم وتزايد قمع الحريات وغياب مناخ آمن للاستثمار فى وجود أجهزة دولة "متأخونة" بفعل النظام والجماعة.
أعتقد أن ثورة من نوع مختلف سيقودها هؤلاء، سكان المناطق المهددة بالإزالة ونزع الملكية والإخلاء القسرى، قادمة فى مواجهة نظام يعادى المصريين دون استثناء، والفقراء أولهم على الأخص، هؤلاء الذين ينتمون إلى طبقة وسطى متآكلة أو دنيا بلا أركان تحمى حدودًا لأبسط حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وأولها الحق فى السكن الآمن الملائم داخل مجتمع متكامل، ستكون ثورتهم مختلفة تمامًا، ربما يسعفنا الوقت لإنجاز حديث مبسط عن أسبابها ومظاهر نشأتها فى مقال قادم.