أوهام ليبرالية!
حملة من الأوهام الليبرالية بدأت تتصاعد في الأيام الأخيرة، حول ما حدث في 30 يونيو، بلغت ذروتها بمقال نشره أحد أساتذة علم السياسة المرموقين وهو ناشط سياسي أيضًا. وهذا المقال الذي نشر في "جريدة الشروق" يعد أعنف هجوم على 30 يونيو، وهو مليء بالوقائع المحرفة لإثبات وجهة نظر الكاتب في أن 30 يونيو كانت انقلابا سمح للمؤسسة العسكرية – هكذا قال – أن تهيمن على المجال السياسي!
وهو يقول في صدر مقاله موجها خطابه لمن لا نعرف "استدعيتم المؤسسة العسكرية إلى السياسة، وصنعتم من المطلب الديموقراطى الذي حمله الناس في 30 يونيو 2013 "الانتخابات الرئاسية المبكرة انقلابًا كاملًا على الإجراءات الديموقراطية في 3 يوليو".
وهذه العبارة الافتتاحية في الهجوم الضارى على الانقلاب الشعبى ضد حكم الإخوان الديكتاتورى، والذي أيدته بجسارة القوات المسلحة، لا تفسر لنا لماذا خرج الشعب في 30 يونيو للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة؟
والإجابة التي لا يريد أن يفصح عنها كاتب المقال أن الشعب –في غالبيته العظمى– استشعر الخطر الجسيم من حكم الإخوان المسلمين من مراقبته للممارسات المنحرفة لهم في مجال الأمن القومى، بالإضافة إلى ظهور معالم الاستئثار بالسلطة وإقصاء كافة التيارات السياسية المعارضة من دائرة صنع القرار.
ولعله يتفق معنا وفى أن الإعلان الدستورى الباطل الذي أصدره "مرسي" والذي لم يذكره مرة واحدة في مقاله الهجومى كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال!
وقد كان ذلك الإعلان انقلابا خطيرًا ضد الشرعية السياسية الديموقراطية التي يتشدق بها صاحب المقال – وهو في الواقع لا يميز – وكان حرَّيا به أن يفعل بحكم تخصصه الأكاديمى – بين آليات الديموقراطية وقيم الديموقراطية.
أكدنا أكثر من مائة مرة أن الانتخابات مجرد آلية لابد أن تستكمل بممارسة سياسية تقوم على أساس احترام قيم الديموقراطية، وفى مقدمتها التسليم الكامل بمبدأ التداول السلمى للسلطة. وقد صرح بعض قادة الإخوان أنهم سيحكمون البلاد في الخمسمائة عام القادمة!
ومعنى ذلك أنهم لن يسلموا السلطة إطلاقًا لأى طرف آخر حتى لو نجح في الانتخابات. وهم كانوا واثقين بأنه لو جرت انتخابات جديدة فالاحتمال كبير –نظرًا لتدهور المشهد السياسي- في أن يفوز المرشح الإخوانى مرة أخرى، وهنا تصبح الكارثة قد اكتملت! ولعل هذا الهاجس هو الذي جعل جماهير الشعب التي خرجت في 30 يونيو تحول مطلبها المبدئى "انتخابات رئاسية مبكرة" إلى مطلب أكثر ثورية وهو عزل مرسي، والقضاء المبرم على الحكم الديكتاتورى للجماعة الإرهابية.
ويدهشنا الكاتب الليبرالى المعروف وهو يصف فض اعتصامات رابعة والنهضة بالقوة المفرطة! وهو لم يشخص لنا حالة هذه الاعتصامات المسلحة، والتي حولت رابعة والنهضة إلى مستوطنات إخوانية كاملة في قلب العاصمة، بحيث يمنع الدخول والخروج منها إلا بإذن قادة الإخوان!
هل هناك في كل البلاد الديموقراطية وضع مماثل؟ وهل يمكن لجماعة ما أن تحتمل في "برلين" أو في "باريس" ميدانًا وتحوله إلى مستوطنة، وترفض الفض السلمى له؟ ولماذا ينكر أن الشعب نفسه حفز الحكومة حفزا لفض الاعتصامات، بعد أن أصبحت ظاهرة إرهابية واضحة عطلت مصالح الناس ونشرت الرعب بين سكان رابعة والنهضة؟
ولا نجد في مقاله أي إدانة للإرهاب الصريح الذي يرتكبه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والذي يتمثل في اغتيال ضباط الشرطة والقوات المسلحة وتفجير أبراج الكهرباء والقيام بمظاهرات عدوانية للاحتكاك بقوات الأمن وإلقاء زجاجات المولوتوف عليها وكل ذلك تحت شعار سلمية سلمية!
وما حكاية المكون العسكري- الأمني الذي يسيطر على البلاد؟ ولماذا يتجاهل أن جماهير الشعب هي التي ضغطت على عبد الفتاح السياسي لكى – يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية؟ ولماذا يتجاهل أنه نجح بمعدلات مرتفعة لأن الشعب رأى فيه المنقذ من فوضى الإرهاب ومحاولات هدم الدولة؟
يدهشنى للغاية إصرار الكاتب الليبرالى على إنكار الوقائع الصحيحة لما حدث في 30 يونيو، والدفاع المطلق عن إرهاب جماعة الإخوان المسلمين!
eyassin@ahram.org.eg