تصدير الأرز.. جريمة في حق مصر!
عادت من جديد الأصوات المطالبة بفتح باب تصدير الأرز، بعد أن اعتقدنا أن هذا الباب قد أغلق تماما، نتيجة للجهود التي بذلتها وزارتا الري والزراعة على مدي سنوات طويلة في التصدي لزراعة الأرز بالمخالفة، والتأكيد أنه لا توجد دولة في العالم تعاني من الفقر المائي وتغامر بزراعة الأرز.. وليس تصديره!
وبدا الأمر وكأن المزارعين اقتنعوا بعدم تجاوز المساحة التي حددتها الدولة، بحيث تكفي لتغطية احتياجات المواطنين وهي ١٫١ مليون فدان، وأن المصدرين سيتوقفون عن الضغط على الدولة لزيادة المساحة من أجل التصدير. ولكن لا المزارعين التزموا.. ولا المصدرين صمتوا!
وساعد على المخالفة أن العقوبات التي فرضت على المخالفين لم تكن رادعة، وكثيرا ما كان أعضاء الحزب الوطني يتدخلون لإعفاء المخالفين من أجل كسب أصواتهم الانتخابية.
وبعد ثورة يناير.. وحظر الحزب الوطني.. وتضاعف خطورة أزمة نقص المياه التي يعتبرها الرئيس السيسي من أهم التحديات التي تواجه مصر، خاصة مع إصرار إثيوبيا على إقامة سد النهضة، كان من المفترض الالتزام بعدم التوسع في زراعة الأرز من أجل التصدير لكن المفاجأة أن غرفة صناع الحبوب باتحاد الصناعات طالبت هذا الأسبوع بفتح باب تصدير الأرز.
وكأن أعضاء الغرفة يعيشون في وطن آخر غير مصر.. ولا يدركون حجم المخاطر الناتجة عن نقص المياه التي تفرض علينا التوجه نحو الحرص على عدم إهدارها، خاصة أن٢٠٪ من حصتنا في مياه النيل تذهب إلى محصول الأرز.. علما بأنه أقل المحاصيل عائدا من وحدة المياه.
ولست أدري لمصلحة من يتم تجاهل توصيات وزارة الموارد المائية والري، التي كشفت عن أن تصدير الأرز عملية اقتصادية خاسرة، ندفع ثمنها على المستوي القومي على المدي البعيد، حتى لو بدت مربحة للمصدرين، وهم أصحاب المصلحة الحقيقية!
تصدير الأرز خسارة مائية على المستوي القومي، وإذا اعتبرنا أن متوسط إنتاج فدان الأرز ٤ أطنان شعير، وأن استهلاك الفدان الواحد ٧ آلاف متر مكعب مياه، وإذا كانت تكلفة الحصول على متر واحد من المياه تصل إلى ٣ جنيهات، فسوف تصل تكلفة إنتاج الأرز إلى ٨ جنيهات، وهو أعلي بكثير من السعر الذي يتم تصدير الأرز به.
وقد حذر الدكتور سعد نصار الخبير الزراعي الدولي، من أن مصر لا تصدر أرزا إنما تصدر مياها، كما أن زراعة الأرز بالمخالفة تؤثر على الحصص المائية لباقي المحاصيل ما يضطر الدولة للاستيراد من الخارج.
ويشير خبراء الزراعة إلى أن كل فدان مخالف يمنع زراعة ٢٫٥ فدان في نهاية الترع، وقد حذرت وزارة الزراعة من أن المياه التي تروي زراعات الأرز بالمخالفة، أثرت على خطة الدولة في استصلاح الأراضي الجديدة سواء على جانبي الوادي وشرق وغرب الدلتا.. والوادي الجديد.. وسيناء.
وما لم يدركه المطالبون بتصدير الأرز، أنهم يضعون العراقيل أمام المفاوضات التي تجري بين مصر وإثيوبيا والتي أعادت الأمل للتوصل إلى حلول تراعي مصالح الطرفين، بعد لقاء السيسي برئيس الوزراء الأثيوبي، والمفاوضات التي جرت بعد ذلك بين الوفد المصري برئاسة وزير الري والوفد الأثيوبي.
وكان الوفد الأثيوبي يشير دائما إلى أن مصر تسرف في استخدام المياه وإهدارها، ولو أنها حافظت عليها وأحسنت استخدامها، لما احتاجت زيادة حصتها.. ولذلك فالمطالبة بالتوسع في زراعة الأرز، تستفز الجانب الأثيوبي، في وقت تحرص فيه مصر على الاستفادة بكل قطرة مياه، وتسعي جاهدة لتطوير منظومة الري.
ثم تأتي المطالبات بتصدير الأرز لتثير الشكوك حول جدية مصر في الحرص على المياه.. والمطالبة بزيادة حصتها.
وهي جريمة لا تغتفر!