سر الأرواح بين خالد ونور الدين.. ورجب وحسين!
هي ظاهرة غريبة وتحتاج إلى تفسير.. فلم يكن رحيل أحمد رجب بعد أيام من رحيل رفيق عمره وشريكه في تجربة فريدة ربما لم يشهد العالم مثيلا لها وهي أن تتحول أفكار كاتب وسخرياته إلى رسوم كاريكاتيرية.. أو يكون الرسم الكاريكاتيري إنتاجا لعقلين.. أحدهما يفكر والآخر يرسم.. لذا كانا روحا واحدة وجسدين.. حتى في الخلاف الشهير بينهما كانا على قدر المسئولية ومستوى عقليهما لذا فالأغلبية إن لم يكن كل الناس لا يعرفون لماذا اختلفا.. وعن أي شيء غضبا.. وكيف افترقا حتى لو كان الكثيرون يعرفون كيف عادا وتوحدا في روح واحدة من جديد..
نقول: لم تكن هذه القصة الشهيرة هي الوحيدة.. فقبل سنوات وفي منتصف الثمانينيات استيقظت مصر على صوت طلقات الرصاص تنطلق ناحية الدبلوماسي الإسرائيلي "زيفي كيدار" مسئول الأمن بالسفارة الإسرائيلية ورجل الموساد بها وتمكنت من قتله.. وبعدها بأسابيع طالت الرصاصات "ألبرت أتراكشي" مسئول الموساد السابق في لندن وقتلته!! وبعدها عمليات أخرى.
كانت العمليات منظمة جدا.. تصيب أهدافها بدقة.. ومعلوماتها سابقة ووافية.. ولا تترك أي أثر وكأن أشباحا ضربت وأصابت فقتلت واختفت.. وكان طبيعيا أن يتحول الأمر إلى حديث المصريين.. بل العرب.. وتابع العالم قصة تنظيم مسلح اسمه "ثورة مصر الناصرية" يترك رسالة بعد كل عملية يقول فيها "لقد أرسلت طلائعنا المسلحة.. فلان الفلاني إلى الجحيم"! وأصبحت التساؤلات.. من هؤلاء؟ ومن أين معلوماتهم؟ ومن أين أسلحتهم؟ ومن وراءهم؟ وأين يختفون؟ ولماذا يحمهم المصريون ولا يدلون بأوصافهم؟ لماذا لا يطاردوهم كما يفعلون مع الجرائم الأخرى بل يسهلون لهم الطريق؟!!
ثم تسربت حواديت من شهود العيان وكيف تركوا لبعضهم صورا للزعيم الخالد جمال عبد الناصر.. وكيف صرخوا في وجوه بعض المصريين ليذهبوا بعيدا حتى لا يصابوا بأي أذى.. وكيف صفق لهم البعض!! وكيف دعت لهم عجوز في إحدى العمليات بأن يحفظهم الله من كل سوء!
تحول الأمر إلى أسطورة.. وظل الأمر كذلك حتى نهايات الثمانينيات تقريبا إلى أن بدأت تتسرب أنباء القبض عن التنظيم بخيانة من داخله!!.. وأن به شخصيات مهمة.. به رجال مخابرات سابقون.. وبه دبلوماسيون.. وبه ضباط متقاعدون.. بل به نجل الزعيم جمال عبد الناصر نفسه! ابنه الأكبر خالد!
وتستمر التحقيقات.. محمود نور الدين المتهم الأول.. خالد جمال عبد الناصر المتهم الثاني.. ابن حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية الأسبق بينهم، ابن شقيق جمال عبد الناصر بينهم، شرفاء من بسطاء مصر بينهم، ولكن الحديث عن التنظيم وحواديته التي تصل كما قلنا إلى حد الأساطير.. يحتاج مساحة أوسع.. وما يعنينا في الأمر في هذه السطور أن خالد ونور الدين أصبحا حدوتة كبيرة.. في الصداقة والالتقاء الروحاني.. وفي كراهية إسرائيل.. وفي الرغبة للانتقام من رجال الموساد الإسرائيلي ومنهم من اتهم بتعذيب وقتل الأسرى المصريين.. وفي رغبة كل منهما في فداء الآخر.. رغم أن العقوبة المنتظرة هي الإعدام..
إلا أن القدر يشاء وفي مفارقة عجيبة للغاية، أن يموت محمود نور الدين في يوم 16 سبتمبر عام 98 ويرحل في اليوم نفسه 16 سبتمبر 2011 الدكتور خالد عبد الناصر!! الأول رجل مخابرات سابق يدرك حجم إجرام الموساد.. والثاني ابن الزعيم الأكثر عداءً لإسرائيل!!
إنه التقاء الأرواح.. التي تتنادى فيما يبدو.. الذي لا تفسير له لا في علم الأكتوبلازم.. ولا في علم تحضير الأرواح.. ولا في أي علم آخر.. إنه من أسرار رب الكون والأسرار!!
رحم الله الجميع!!