رئيس التحرير
عصام كامل

وضع الموازنة العامة في ظل مشروع قناة السويس

مشروع تنمية محور
مشروع تنمية محور قناة السويس


مشروع تنمية محور قناة السويس هو المشروع العملاق الواعد، والذي ننتظر أن يكون مشروعًا قوميًا شعبيًا، يكون بمثابة قاطرة للاقتصاد المصري للسنوات القادمة، مع مجموعة من المشروعات القومية التي تحتاجها مصر، لتحقيق تنمية شاملة اقتصادية حقيقية، وكانت من أبرز التحديات أمام هذا المشروع هو كيفية توفير التمويل اللازم؟

 فعندما أعلن عن البدء في تنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس بالإعلان عن حفر القناة الجديدة الموازية للقناة الأصلية والتي تعتبر المرحلة التمهيدية لمشروع تنمية محور قناة السويس.. طرحت تساؤلات عديدة حينها عن كيفية تمويل هذا المشروع العملاق في ظل انخفاض موارد الدولة، وفي ظل انخفاض الإنفاق الاستثماري بالموازنة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015، وأعلن في البداية حينها أنه سيتم تمويلها من حصيلة اكتتاب في أسهم تطرح على المصريين وحدهم، وبدون الإفصاح عن آليات تنفيذ ذلك، وقمت بالتعليق على ذلك حينها أنه بالرغم من أن آلية التمويل عن طريق طرح أسهم هو البديل الأمثل من وجهة نظري، والذي لن يحمل الدولة أية أعباء وسيمثل مشاركة حقيقية للشعب في الاستثمار؛ لتنفيذ هذا المشروع القومي العملاق والواعد، ولكن رأيت عدم قابلية ذلك للتطبيق الفعلي نظرًا لأن رئيس الجمهورية أمر بالانتهاء من خطة حفر القناة الجديدة في عام واحد فقط بدلًا من ثلاث سنوات هذا في الوقت الذي سيستغرق فيه تأسيس وطرح شركة حفر القناة الجديدة للاكتتاب فترة زمنية..

كما طرحت أيضًا مجموعة من التساؤلات على آلية التمويل بالاكتتاب في أسهم وهي: ماهو هيكل ملكية شركة حفر القناة الجديدة والذي يستوجب أن يكون 51% من هيكل ملكية الشركة ملكًا للدولة حفاظًا على الأمن القومي، وكيف ستدفع الدولة حصتها في الشركة؟ وهل هذه الشركة ستمتلك القناة الجديدة؟ وهل ستمتلك هذه الشركة حق تحصيل إيرادات القناة الجديدة في المستقبل أم لا؟ لتعلن الحكومة بعدها بأنها عدلت عن فكرة التمويل عن طريق الاكتتاب في أسهم إلى أنها تستهدف جمع 60 مليار جنيه مصري لتمويل حفر القناة الجديدة من حصيلة طرح شهادات استثمار بالجنيه المصري بعائد 12% كل 3 شهور للأفراد الطبيعيين والاعتباريين من الشركات وبدون حد أقصى، ومن ذلك نرى أن شهادات الاستثمار هي استثمار جيد للمصريين، حيث إنها تعطي عائدا 12% سنويًا يصرف كل ثلاثة أشهر على فئة الشهادات بقيمة 1000 جنيه مصري، وعائدا تراكميا لفئات الشهادات 10 و100 جنيه مصري تسترد قيمة الشهادات بعد خمس سنوات بنسبة 180%، أي بمتوسط معدل فائدة 16% سنويا وهو يعد الأعلى وسط الأوعية الادخارية والاستثمارية المطروحة بالسوق، ووفقا للمعلن سوف تسدد فوائدها من عائدات قناة السويس.
ولكننا نرى أن طرح هذه الشهادات وبهذه الفائدة المرتفعة جدًا سيمثل تأثيرًا واضحًا على القطاع التمويلي والاستثماري في مصر من حيث حجم السيولة المتاحة ومستويات الربحية، وذلك لقيام الدولة بمزاحمة البنوك في جمع المدخرات، وبفائدة استثنائية بالمقارنة بالأوعية الادخارية والاستثمارية المطروحة لدى البنوك والمؤسسات المالية، والذي سيؤدي في النهاية إلى عزوف المدخرين والمستثمرين عن الإدخار والاستثمار في شهادات الاستثمار والودائع والسندات والتحول للإدخار والاستثمار في شهادات استثمار قناة السويس.
ووفقًا لما هو معلن يستهدف مشروع حفر القناة الجديدة مضاعفة حجم إيرادات قناة السويس من خلال زيادة القدرة الاستيعابية لعدد السفن التي تمر بالقناة لتصل إلى ٩٧ سفينة يوميًا بحلول عام ٢٠٢٣، بدلًا من ٤٩ سفينة حاليًا، وستزيد عائدات القناة بنسبة ٢٥٩% إلى 13.5 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2023 مقارنة بالعائد الحالى الذي يصل لـ٥.٣ مليار دولار سنويًا، وهنا نتساءل عن كيفية حدوث هذه الطفرة في عدد السفن المارة بالقناة، حيث إن معدلات مرور السفن ليست مرتبطة فقط بالقدرة الاستيعابية للقناة لعدد السفن التي تمر بها فحسب بل ترتبط أيضًا بحركة التجارة العالمية، ومعدل الزيادة في التجارة العالمية لا يتجاوز 5% سنويا على أفضل الأحوال.

ونأتي لسؤال مهم وهو كيف ستسدد الدولة قيمة هذه الشهادات البالغة 60 مليار جنيه في نهاية الخمس سنوات؟ حيث إن الحكومة ستكون أمام استحقاق والتزام كبير وهو ماذا بعد الخمس سنوات حين يرغب حملة الشهادات في استرداد أموالهم من أين ستوفر الدولة 60 مليار جنيه مصري لسداد قيمة شهادات استثمار قناة السويس؟وهل المشروع في نهاية الخمس سنوات سيغطي تكاليفه؟ ويوفر للدولة صافي إيرادات بقيمة 60 مليار جنيه مصري؟!! لن أقلل أبدا من ثقتي بمشروعنا القومي، لكني فقط اطرح تساؤلا يراودني..
الجريدة الرسمية