العمليات النفسية فى الحروب.. والثورات
يظُن الكثيرون أن كتابة أحداث وتفاصيل المشاهد للأفلام والمُسلسلات والمسرحيات، أو ما يُعرف "بالسيناريوهات"، هو عمل "فني" فقط. إلا أن السيناريوهات تُستخدم فى السياسة أيضاً. إنها سيناريوهات تمثيليات مثل تلك التى تُكتب للأعمال الفنية. ويكون الغرض منها التأثير النفسى على الناس ودغدغة مشاعرهم الإنسانية، مشوهة للحقيقة، بأخذهم إلى مكان "نفسي" مُختلف كلياً، عن ذاك الذى يتصورون أنه الظاهر أمامهم. إنها أفلام تؤدى نفس غرض "صور الفوتوشوب" التى تزور الواقع.
ولقد فضح الباحثون المُتخصصون هذا الأمر فيما يتعلق بمشهد إسقاط تمثال القائد العراقى صدام حُسين بساحة الفردوس، وسط بغداد، يوم الأربعاء الموافق 9 أبريل 2003. فلقد عُرض هذا "المشهد" على أنه "قمة الدراما" فى الغزو الأمريكى للعراق، وكأن الأمر كان بالفعل "تحريراً للعراق". إلا أن هذا المشهد، لم يكن بتلك البساطة التى عُرضت على الشاشات. لقد كان تمثيلية نفذتها على الأرض، "وحدة الحرب النفسية الأمريكية"، لتصور للمُجتمع الدولي، أنه مشهد "تحرير من قوة مُحبة للحرية" وليس "غزو من قوة استعمارية مُفتتة للعراق"!!
فبينما القوات الأمريكية تدخل إلى ساحة الفردوس شبه الخالية لترى التمثال وسطها، إذا بالفكرة تُلهم "لوحدة الحرب النفسية"، التى كانت فى مُقدمة القوات. فظهر أن إسقاط التمثال، سيكون "علامة فارقة" فى تلك الحرب، ليُظهر للعالم الفارق بين المُحرر والمُحتل، بالذات لو ساهم فى إسقاط التمثال، المواطنون العراقيون أنفسهم!!
لذا بدأ الجنود الأمريكيون - وبمُجرد أن دخلوا إلى ساحة الفردوس - مُناداة المدنيين العراقيين بالميكروفونات وجذبوا المُراسلين الدوليين. وهذا المشهد، حيث يدخل الصحفيون والمواطنون العراقيون الساحة، فى معية الجنود الأمريكيين، متوفر للمُشاهدة على "اليوتيوب". وبتجميع هؤلاء، أصبحت "خشبة المسرح" مُعدة سلفاً، لعرض مشهد حى على شاشات العالم!!
وبدأ المراسلون فى التصوير، حيث كان المشهد الأول لمواطنين عراقيين وهم يمثلون وكأنهم يريدون إسقاط التمثال بمُفردهم. والمشهد الثاني، للجنود الأمريكيون وهم يأتون بدبابة لتُسقط التمثال. والمشهد الثالث لجندى يضع العلم الأمريكى على رأس التمثال. إلا أن هذا سُرعان ما تم لفت النظر إليه من جنود آخرين، على أنه يُغير الصورة "من المُحرر إلى المُحتل"، ولذا أُنزل العلم سريعاً من على رأس تمثال صدام. ثم رفع المواطنون العراقيون علم العراق فى الساحة. وكان المشهد الأخير هو إسقاط الأمريكيين للتمثال باستخدام دبابتهم، بينما المواطنون العراقيون يرقصون ويدبدبون فوقه!!
وبالفعل كان للمشهد التأثير المرجو، على الكثيرين فى أنحاء العالم. فانطلت "الخدعة" على هؤلاء ممن يصدقون العمليات "السياسية النفسية"، التى يزيد عمرها على المائة عام اليوم. فثقافة "الصورة" و"الأفلام النفسية" فى السياسة عمرها طويل، وليست جديدة!!
ولقد حدث مثل ذاك المشهد كثيراً ولا يزال يحدث بتنوعاته المُختلفة، فى كل دول ما عَرفهُ الغرب "بالربيع العربي"، وسواءً فى ميدان التحرير أو بميادين ومواقع أُخرى بمصر أو على مدى سوريا، وغيرها من المناطق العربية الكثيرة، لتصوير مشاهد غير حقيقية، لتحقيق أهداف "نفسية" لصالح المُستعمر، لاستكمال تفتيت المنطقة. إلا أن التفتيت هذه المرة، يتم من داخل تلك الدول، وباستخدام عُملاء مُدربين منها، لأنهم الأرخص ثمناً، من القوات الأمريكية الباهظة التكاليف!!
أنظر حولك وراجع الأحداث فى مصر، وستكتشف بما لا يدع مجالاً للشك، الكثير من تلك العمليات فى الكثير من المواقع التى مرت علينا، استُخدم فيها اللعب على الموروث المصرى والدينى والمشاعر الإنسانية!!
إنها العمليات النفسية المُستخدمة فى الثورات المصنوعة، ضد مصالح الشعوب!!
والله أكبر والعزة لبلادي، وتبقى مصر أولاً دولة مدنية .