رئيس التحرير
عصام كامل

«تاريخ الأدب في العصر الجاهلي».. تفصيل الشعر إلى أدب.. طبائع الحياة والبشر الجاهليين.. «شوقي ضيف» يصحح المصطلحات اللغوية الخاطئة في تاريخ الأدب.. مراحل الشعر وخصائصه ومعنى كلمة أدب

فيتو

على عكس الكتب والدراسات التي تناولت تاريخ الأدب في الشعر الجاهلي بذكر تاريخ الشعر فقط غافلين عن الحياة الجاهلية، يأتي كتاب " تاريخ الأدب في العصر الجاهلي " للدكتور " شوقي ضيف " مفصلا عن طبائع الحياة والبشر في هذا العصر ، حيث إنه لم يكتف بذكر تاريخ الأدب والشعر وحده إلا أنه توغل في وصف الحياة آنذاك بشكل تفصيلي بديع ، والكتاب هو الجزء الأول لمجموعة مكونة من 6 أجراء لتاريخ الأدب عبر العصور بدءًا من العصر الجاهلي وصولا إلى عصر الدول والإمارات. 

يتكون الكتاب من 12 فصلا، يتناول فيهم ضيف تاريخ شبه الجزيرة والأقوام التي سكنتها، وشرح تفصيلي للحياة الاجتماعية موضحا سلبيات وإيجابيات المجتمع الجاهلي، خصائص الشعر الجاهلي ذاكرا المراحل الشعرية التي مر بها هذا العصر بذكر بعض أكبر شعراء الجاهلية.

كلمة أدب
يبدأ طرح الكتاب بتمهيد يستعرض فيه الكاتب أصول ومعنى كلمة " أدب "، حيث يوضح ضيف، أن كلمه أدب هي من الكلمات التي تطور معناها بتطور الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلي أدوار المدينة والحضارة وفي معناه العام فهو " الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والمستمعين، سواء إن كان شعرا أو نثرا " . 

وينبه من أن هذه الكلمة لم تكن تستخدم بمعناها الذي نعرفه الآن في العصر الجاهلي، حيث ذكرت في عدة مواضع بالعصر الجاهلي على هيئة "أدب" أي الداعي إلى الطعام، ومن ثم جاءت بمعنى الأدب أي الخلق الحسن حين قال الرسول " أدبني ربي ". 


بداية الأدب
يتطرق ضيف في الفصل الثاني إلى تاريخ العصر الجاهلي ومنذ متى بدأ إرهاصات بداية الأدب، فيشير إلى أن الكثير من الناس يعتقدون أن العصر الجاهلي هو كل ماسبق ظهور الاسلام ومن حقبات وأزمنة، إلا أن هذا غير صحيح ، فالعصر الجاهلي عمره ما يقارب الـ150 عاما قبل ظهور الإسلام، وهي الفترة التي بدأت فيها اللغة العربية في الكمال والنضوج، ويستدل على هذا بكلام الجاحظ ، إذ يقول " أما الشعر (العربي) فهو حديث الميلاد صغير السن، أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه إمرؤ القيس ومهلهل بن ربيعة .. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له – إلي أن جاء بالإسلام – خمسين ومائة عاما، وإذا استظهرنا الشعر بغاية الاستظهار فمائتي عام " وهي ملاحظه دقيقة، لأن ما قبل هذا التاريخ في الشعر العربي مجهول !!. 


يكمل ضيف ما قد بدأه في الفصل الثاني من الولوج في تاريخ الحياة في العصر الجاهلي متعمقا إلى الحياة الاجتماعية آنذاك وتكوين طبقات المجتمع ، فيذكر أن المكون الرئيسي للمجتمع في الجاهلية هي " القبيلة " ، وكانت القبيلة تتألف من ثلاث طبقات، أبناؤها وهم الذين يربط بينهم الدم والنسب، وهم عمادها وقوامها، والعبيد، وهم رقيقها المجلوبين من البلاد الأجنبية وخاصة الحبشة، والموالي وهم عتقاؤها. 

الجاهليون
ويبدو المجتمع الجاهلي مثله مثل أي مجتمع له ماله من الإيجابيات وعليه ما عليه من السلبيات، يذكر " ضيف " أن أهم الصفات التي اشتهر بها الجاهليون هي " الكرم " فقد كان الكرم عندهم أساس من الأساسيات في أي فرد، أما البخيل فقد كانوا يوبخونه ويسخرون منه لما فيه دنوٍ على حد ظنهم وتعاليمهم، إلى جانب شيوع بعض العادات السيئة مثل " شرب الخمر " فقد كانوا أغلب الجاهليين يعشقون شرب الخمر ويعتبرونه أنه لا غنى عنه وقد جاء ذكر الخمر في كثير من المواضع سواء في الشعر والأدب الذي وصلنا من العصر الجاهلي، بالإضافة إلى " استباحة النساء " التي جاء الإسلام ليحرمها ذلك لحفظ النسل وتهذيب النفوس وترويض الشهوات وكبحها. 

الغناء والموسيقى
يصلح الكاتب في الفصل الخامس العديد من المعاني التي نتداولها في عالم الشعر، من أبرزها لفظة "معلقات" التي نظن أنها سميت بهذا الاسم لأنها علقت على الكعبة، إنما سميت هكذا لنفاستها من كلمة "العلق" التي تعني النفيس.

ومن ثم يتطرق الكاتب في الفصل السادس الي ذكر أبرز الخصائص التي صاحبت الشعر في العصر الجاهلي وهي : ارتباطه بالغناء والموسيقى ، حيث إن الشعر وقتها كان غنائيا تاما، ولم الغناء ساذجا حين ذاك، فقد عرفوا منه ضروبا مختلفة، ويستدل الكاتب في ذلك بقول "إسحاق الموصلي" : (غناء العرب قديما له ثلاثة أوجه :النصب والسناد والهزج ).

ويذكر الكاتب أحد أهم الخصائص تباعًا مثل الموضوعات إذ كانت موضوعات الشعر متنوعة لا تندرج تحت موضوع موحد، والخصائص اللفظية وهي أهم الخصائص التي ميزت الشعر الجاهلي عن سواه. 

أهم الشعراء
أما الفصل السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر من الكتاب يهتم فيهم الكاتب بذكر أهم شعراء هذا العصر، أبرزهم على الإطلاق امرؤ القيس ، النابغة الذبياني ، زهير بن أبي سلمى ، والأعشى، وقد برع الكاتب في ذكر تفاصيل حياتهم مستدلا بأشعارهم وقصائدهم، ويستعرض في الفصل الحادي عشر أهم الشعراء الذين ارتبط شعرهم بالحماسة والفخر لارتباطهم بحروب القبائل التي كانت شائعة في هذه الفترة. 

تاريخ النثر
يستعرض "ضيف" في الفصل العاشر والأخير تاريخ النثر في العصر الجاهلي ، ويؤكد أن النثر في هذا العصر لا يقصد به الخطب التي كان يلقيها الزعماء أو الخطباء على السامعين، فهي خطب بعيدة عن البلاغة الأدبية رغم أنها بليغة في ألفاظها وحبكتها، إنما يستدل بالنثر على النثر الذي يقصد به التأثير في السامعين ويسمى " النثر الفني "، إلا أن العصر الجاهلي لم يشهد الكثير من النثر حيث إننا لا نملك وثائق نثرية صحيحة، وهذا لا ينفي أن الجاهليين قد عرفوا كتابة النثر إلا أن صعوبة تداوله لصعوبة النقل هي ما أدت إلى اختفائه وندرة هذه الرسائل النثرية. 
الجريدة الرسمية