ولا نص كلمة بعد النهاردة
مات أحمد رجب... مانشيت أليم على النفس أن تقرأه تلك إرادة الله واهب الموت والحياة.. مات أحمد رجب إيذانا بغياب آخر حكماء زمانه وقد ظل ضمير مصر اليقظ يكتب عن آلامها وآمالها راجيا الخير لها بكلمات هي الأقل في العدد الغزيرة في الحكمة والأثر..
كان عمرا مديدا وكانت تجربة ثرية بدأت من الإسكندرية لشاب تخرج من كلية الحقوق ليعشق الصحافة وكان التوهج في أخبار اليوم في زمن كان يحتوي النابغين ليجدوا من يُفسحوا لهم الطريق نحو البريق ليستدعيه العملاقان مصطفى وعلي أمين إلى القاهرة ليبدأ رحلة المجد والخلود في مؤسسة أخبار اليوم لأكثر من ستين عاما عنوانها صحفي متمكن يمتلك زخما وحكمة جعلته الأشهر في المؤسسة العريقة من خلال عموده الأشهر نصف كلمة أقصر وأشهر عمود في الصحافة العربية من خلاله أسعد أمة وقد كان قديرا في السخرية اللازعة التي تنتزع البسمة وتثير المواجع في آن واحد لأنه كان ينكأ الجراح..
لأحمد رجب مؤلفات كثيرة وبرامج إذاعية وكان قليل التواجد إعلاميا بحيث من النادر أن تجده ضيفا في برنامج يتحدث عن نفسه ومن النادر أن تجد له صورة وفي السنوات الأخيرة اضطرت أخبار اليوم لوضع صورة له قرين عموده اليومي نصف كلمة الذي يظهر في صحيفة الأخبار اليومية وأخبار اليوم الأسبوعية؛ لأن هناك من انتحل اسم أحمد رجب الذي لا توجد له صور معلومة للقراء إلا صورا قديمة أو بريشة توءمه الأشهر مصطفى حسين رفيق تجربة اقتربت من الأربعين عاما تفردت بها صحيفة الأخبار؛ حيث حصاد فكر أحمد رجب وريشة مصطفى حسين في الكاريكاتير اليومي الشهير الذي أسعد المصريين كثيرا وعندما مرض مصطفى حسين داوم أحمد رجب على الدعاء له وكان أليما أن يرحل مصطفى حسين في 16 أغسطس 2014 وقتها كان أكثر الناس ألما هو أحمد رجب وقد توقف عن الكتابة "قبلها" لمرضه وكان آخر عمود يكتبه في نصف كلمة يوم 18 يوليو 2014 ليظل مكانه شاغرا على أمل أن يعود ولكن الأقدار استبقت ليرحل فجر الجمعة 12 سبتمبر 2014..
رحيل أحمد رجب بعد أيام من رحيل توءمه يعيد للأذهان تجربة الثنائي الشهير الشاعر بيرم التونسي والملحن العملاق الشيخ زكريا أحمد وقد عاشا تجربة رائعة انتهت برائعة أم كلثوم هو صحيح الهوى غلاب، التي مات بيرم قبل أن تشدو بها أم كلثوم وقد لقي ربه 5 يناير 1961 ليلحق به الشيخ زكريا أحمد في 14 فبراير 1961 أي في اليوم الأربعين.. هي مرارة لا تفارق حزنا على رحيل كاتب عظيم اسمه أحمد رجب وقد أثار موته شجونا وأحزانا حزنا على من سبقوه من العمالقة وقد كان الأخير لينتهي بموته عصرا بأكمله كان عنوانه النبوغ والتفوق والتألق.. وداعا أحمد رجب.. خلص الكلام.. ولن ينتهي الألم.