رئيس التحرير
عصام كامل

"مانديلا" و"السيسي" وكرة القدم


أغلب الذين كانوا يجلسون على المقهى في ذلك اليوم، شعروا قبل بداية مباراة منتخبى مصر وتونس في تصفيات كأس الأمم الأفريقية، أن المنتخب مهزوم حتى قبل أن تبدأ المباراة، أقدام عاجزة، سخر منها القدر، و"ركب" باتت تبحث عن "عمرة"، وروح مفقودة، لا تسكن نفوس اللاعبين المصريين، والنتيجة كان يعلمها الجميع، لكن إحساسًا غريبًا يتملك المصريين دائما في مثل هذه المباريات، هناك أمل دائمًا، بعضهم كان يضحك على بعض اللاعبين وتمريراتهم، ولهم كامل الحق.


روح اللاعبين العاجزة، باتت محل سخرية المصريين، ومديرهم الفنى شوقى "غريب"، لم يكن هذا مستوى لاعبين ينتمون لمنتخب، كان اسمه كفيلا بهز أفريقيا، وكان من الطبيعى عقب ما شهدته البلاد، أن تكون هناك مسئولية على اتحاد الكرة، وعلى الدولة، هذا ليس من باب الرفاهية، حتى لو كانت مشاكلنا جبالا لا تحل، هذه لعبة ليست للهواة، ولا للحمقى أو المغفلين، وهى صناعة واقتصاد، انظر لأرقام اللاعبين في أوربا ومنهم أفارقة، ستدرك أن بعضهم يحترف بمبلغ يقارب ميزانية وزارة دولته، والأهم هو الانتماء.

هل لو خرج الرئيس السيسي وطلب مقابلة شوقى غريب وجهازه الفنى لسؤاله عن هذه الكارثة سيكون محط تهكم البعض، ليقولوا "خلاص يعنى حليت كل مشاكل البلد وإرهاب الإخوان وانتخابات البرلمان، ومبقاش فاضل غير المنتخب"، لكن الأمور لا تحسب هكذا، وإن أردت سأحكى عما فعله زعيم جنوب أفريقيا مانديلا في لعبة "الركبى" وكانت اللعبة قاصرة فقط على "البيض"، في حين كانت كرة القدم يلعبها "السود" امتدادًا لنظام التمييز العنصرى المنتشر في بلاد قوس قزح، ووصل حتى للفصل بين الجماهير في الملاعب.


لكن مانديلا قدم نموذجًا للقائد الذي استطاع أن يلغى هذا التمييز، وفى عام ١٩٩٥، فازت جنوب أفريقيا ببطولة العالم للركبى على حساب منتخب نيوزيلندا (15-12)، أي بعد عام واحد من انتخاب مانديلا رئيسًا للبلاد، وقدّم مانديلا رسالة سلام لأبناء بلاده بعد أن ارتدى قميص قائد المنتخب فرانسوا بينار وعليه الرقم الذي سجن به طيلة 27 عامًا في فترة التمييز العنصري (46664).

وفي العام التالي نظّمت جنوب أفريقيا كأس أمم أفريقيا لكرة القدم وتوّج منتخب "بافانا بافانا" باللقب الأفريقي على حساب المنتخب التونسي (2 -صفر)، وفاجأ مانديلا الجميع بارتداء قميص اللاعب الأبيض نيل، توفي قائد المنتخب آنذاك، لكن الأهم هو الوحدة الوطنية التي تجلّت في نهائي 1996 الذي انصهر فيه (البيض والسود) تحت راية جنوب أفريقيا، وقال مانديلا يومها: "كرة القدم والركبى والكريكيت وغيرها من الرياضات لديها القدرة على تضميد الجراح".

نحتاج فعلا لتضميد الجراح، نحتاج لطى ماضٍ لعين، نحتاج لنصر، وبصيص من الأمل، نحن لسنا جنوب أفريقيا، والفراعنة ليسوا "بافانا بافانا"، وليس لدينا مشاكل في التمييز العنصرى، لكن قدرة القائد أن يوحد الشعب، حتى ولو كانت لعبة، ليس مستحيلا، نحن شعب يبحث عن فرحة، حتى ولو كانت نصف مصنوعة.
الجريدة الرسمية