رئيس التحرير
عصام كامل

تجديد النخبة السياسية


يمر المجتمع المصرى بأزمة خانقة، تتمثل في سيطرة النخب السياسية التقليدية على المشهد السياسي، مما أدى إلى استبعاد الشباب من العملية السياسية.

وهذه النخب السياسية تتكون من نخب قديمة تمثل أعضاء الأحزاب السياسية التي كانت قائمة قبل ثورة 25 يناير، أمثال حزب التجمع وحزب الوفد وغيرها، ونخب سياسية جديدة دخلت إلى مجال الممارسة بعد ثورة 25 يناير، وإن كانت من حيث أعمار أعضائها تنتمى في الواقع إلى النخب السياسية القديمة. وقد حاول الشباب من الناشطين السياسيين بعد الثورة تكوين ائتلافات ثورية غير أنها تعددت بحيث يصل عددها في بعض التقديرات إلى أكثر من 300 ائتلاف ثورى.

ومن الصعب للغاية تصنيف هذه الائتلافات وفق خريطة أيديولوجية واضحة المعالم. وهذا التعدد ذاته ليس مصدر قوة، بل إنه مصدر ضعف شديد؛ لأنه يضعف في الواقع من وزنها السياسي النسبى.

أما النخب السياسية الجديدة التي نزلت إلى المعترك السياسي؛ فقد تعددت أحزابها كذلك وتشابهت برامجها، مما جعلها عاجزة في الانتخابات البرلمانية التي تمت بعد ثورة 25 يناير أن تفوز بعدد من المقاعد بعكس قوتها السياسية.

وإذا ألقينا النظر على زعماء التحالفات السياسية التي تجرى الآن على قدم وساق؛ لاكتشفنا أنها تنتمى في الواقع إلى "عواجيز" السياسة المصرية لو صح التعبير. وقد عكس هذا الواقع نفسه على طريقة إدارتها للتحالفات وعجزها الواضح عن التوافق السياسي في جبهة واحدة متحدة قادرة على أن تقف موقف الند ضد القوى السياسية الإسلامية التي تحاول غزو عقول الجماهير بالشعارات الدينية التقليدية.

بعبارة أخرى نحن أمام أزمة هيكلية في بناء المجتمع السياسي، لأن غلبة الأجيال القديمة من النخبة على الأجيال الجديدة من شأنه في تقديرنا تعويق التطور الديموقراطى في مصر المحروسة التي تصل فيها نسبة الشباب إلى 60%.

ولو حللنا هذا الموقف بطريقة علمية لاكتشفنا أن النخب السياسية الجديدة الشابة لها ثقافة مغايرة عن ثقافة الأجيال القديمة، لأن الشباب في الواقع أبناء عصر العولمة التي حدثت في ظلها الثورة الاتصالية الكبرى والتي تتمثل مفرداتها في البث الفضائى التليفزيونى والذي جعل الأفراد في مختلف البلاد يشاهدون الأحداث السياسية والاجتماعية على الشاشة في الزمن الواقعى لها Real time، وذلك بالإضافة إلى شبكة الإنترنت التي غيرت من الحياة الإنسانية لأنها من خلال استخدام أدوات الاتصال الحديثة مثل المدونات والفيس بوك والتويتر أتاحت الفرصة لأجيال الشباب في مختلف أنحاء العالم لكى تتفاعل وتقوم بتشبيك العلاقات على تنوعها بعيدًا عن سيطرة أي نظام سياسي أو دولة.

ومن المؤكد أن أجيال الشباب الجديدة لها رؤى للعالم تختلف بصورة جذرية عن رؤى العالم السائدة لدى الأجيال القديمة.
ومن هنا يمكن القول ‘إنه إن لم يتم حوار مجتمعى بين كافة الأجيال السياسية فإن ظاهرة صراع الأجيال ستلوح في الأفق، وهى ظاهرة سلبية في الواقع لأن خسائرها أكثر من مكاسبها. ومعنى ذلك أننا في حاجة إلى الحوار بين الأجيال بحيث تنتقل الخبرة بسلاسة من الأجيال القديمة إلى الأجيال الجديدة من ناحية، ويتعرف أعضاء النخبة القديمة على رؤى العالم المتجددة للشباب.
وهذه الحوارات المقترحة ينبغى أن تنعقد تحت شعار ضرورة التجدد المعرفى للمجتمع المصرى ككل.

وهذا التجدد المعرفى ينبغى أن يستند إلى معرفة عميقة بالتغيرات الكبرى التي حدثت في العالم منذ أواخر القرن العشرين، ليس ذلك فقط ولكن فهم منطق هذه التغيرات. ويمكن القول إن أبرز التغيرات التي حدثت في العالم هو الانتقال من نموذج المجتمع الصناعى إلى نموذج مجتمع المعلومات العالمى. وهذا المجتمع أصبح يعتمد على أدوات اتصال حديثة أتاحتها للناس في مختلف أنحاء العالم شبكة الإنترنت التي كونت مجالًا عامًا جديدًا غير مسبوق في تاريخ الإنسانية.

فهذه الشبكة التي يطلق عليها الشبكة العنكبوتية نظرًا لتعدد المواقع فيها وتنوعها أصبحت وسيلة التفاعل الإنسانى الكبرى في عصر العولمة. معرفة ماذا حدث في العالم ومنطق التغيرات يحتاج إلى متابعات أخرى حتى نفهم طبيعة العصر الذي نعيش فيه.
الجريدة الرسمية