حدودك يا مصر
شد الأطراف أو " Peripheral doctrine "هي أخطر النظريات التي تستخدمها أمريكا وحليفتها إسرائيل مع الدول التي تريد أن تضغط عليها للحصول على أعلى المكاسب وابتزازها سياسيا حتى الوصول إلى مرحلة الإسقاط. و"شد الأطراف" لفصلها عن الجسد.. ثم انهياره هي إستراتيجية تم الاعتماد عليها منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ودشنها الصهيوني فلاديمير جابوتينسكي وهو يتلخص في إقامة تحالفات غير رسمية مع الدول الواقعة على أطراف منطقة الشرق الأوسط لاستخدامها كأداة للضغط على تلك الدول في إطار الصراع العربي الإسرائيلي..وهي تري أن أكثر مناطق الجسد إيلاما هي أطرافه.
وركزت مراكز الدراسات الأمريكية والإسرائيلية في هذه الفترة على إيجاد بديل للمواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني وعدم حصرها في شريط حدودي قد تزيله حالة عسكرية أو سياسية. وعلى مدى العقود الماضية عمدت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها مع دول الجنوب الجغرافي لمصر وخاصة في حوض النيل ومع إثيوبيا تحديدا حتى يكون لها ذراعا قويا تستطيع به الضغط على القاهرة من خلال ملف المياه وهو ما حدث في مشروع سد النهضة وتداعياته التي ليس من المنتظر أن تكون في صالح مصر.
وظل التوجه الإسرائيلي نحو القارة الأفريقية ككل يشكل جزءًا من الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكري ومنع أي نفوذ قائم أو محتمل لمصر والعرب داخل القارة الأفريقية.
ولعل انفصال الجنوب السوداني هو أبرز تطبيقات نظرية "شد الأطراف " فموجبها ستضطر القاهرة إلى التعامل مع نظامين كانا كيانا واحدا يمثل العمق الإستراتيجي لها..وتسبب هذا التحول والتغيير الجيوسياسي إلى تعالي ظهور قضية حلايب وشلاتين على السطح مرة أخرى لدرجة بعد أن أعلنت الخرطوم ضم حلايب وشلاتين إلى دوائرها الانتخابية في الانتخابات المقبلة في السودان، وما تردد عن إقامة منطقة تكامل مصرية – سودانية في حلايب وشلاتين.
ولا يخفى على المتابع لهذا الملف دور إسرائيل في انفصال الشمال عن الجنوب ودعمه الكامل للجنوب اقتصاديا وسياسيا حتى تحقق الانفصال. ولم يتوقف اللعب الأمريكي الصهيوني في ملف النوبه والعمل بكافة الوسائل على تعميق فكرة الانفصال سواء باستمالة بعض القوى النوبية في الخارج وتمثيلهم المستمر في مؤتمرات الاقليات بالخارج
ولايخفي على المتابعين أيضا دور المحور الجنوبي في تهريب الأسلحة عبر الدروب الصحراويه إلى داخل البلاد. ولايختلف الوضع على المحور الشمالي الشرقي عنه في المحور الجنوبي فقد اعتبرت الولايات المتحدة سيناء منطقة رخوة لا يجوز منحها وضع الثبات السياسي أو الجغرافي حتى تكون منطقة عازلة بين إسرائيل ومصر أو يتكون فيها وضع سياسي جديد قد يكون حلا للمشكلة الفلسطينية بتهجير أهالي غزة اليها أو تدويلها لتكون مقصدا عالميا للأديان الثلاثة.
شد الأطراف في سيناء وانسلاخها عن الوطن الأم كان محور عدد من الدراسات لمراكز الفكر الأمريكية والإسرائيلية منذ عقود وعمدت أجهزة مخابرات الدولتين إلى تصدير الجماعات الإرهابية إلى سيناء لإثبات عدم سيطرة الدولة عليها وتثبيت دعائم هذه القوى بوصول الإخوان للحكم فحولوها إلى مركز تدريب ضخم للجماعات التكفيرية ناهيك عن إهمالنا لسيناء لعشرات السنوات وإحساس أهالينا هناك بالظلم الاجتماعي.. كل ذلك جعل سيناء أرضا "قلقة".
وليس الحد الغربي بأحسن حالا من أخوته الثلاثة فحدودنا الغربية ومنذ سنوات ما قبل حكم مبارك كانت ورقة يتم مداعبة الرئيس الراحل معمر القذافي بوشائج الإخوة بين القبائل غرب مصر وشرق ليبيا وكانت هذه الحدود تشهد شدا وجذبا كلما تغير المزاج السياسي لحكام القاهرة وطرابلس ليبيا.
يلاعبنا القذافي بورقة العمال المصريين فيخرج المسؤلون المصريون لاستقبال الزعيم الملهم في خيمة كبيرة وسط آلاف من أهل القبائل الذين منحهم "الملهم" الجنسية الليبية من طرف واحد.. بل طالب بتسليحهم قبل شهور بسيطة من اندلاع " الربيع العربي".
وتمضي الشهور لتصبح الحدود الغربية بالاتصال بالأزمة الجنوبية مصدر إزعاج وخنجر في خاصرة الوطن بعد أن حولته الجماعات التكفيرية إلى سوق رائجة للسلاح بكافة أنواعه وأشكاله.. والأخطر أن ينادي الشرق الليبي بالانفصال والحنين إلى الملكية ويدعو إخوانه التاريخيين في غرب المحروسة إلى الانفصال وإعلان دولة القبائل.
ولم يسلم البحر من شد أطرافنا ونهب ثرواتنا البترولية فها هي إسرائيل وقبرص تنهبان حقول الغاز في البحر المتوسط وسط حالة من السكون الحكومي المريب لندخل في صراع تفاوضي على حقوقنا الأصيلة في مياهنا الإقليمية.
حدودك يا مصر تخضع لتطبيق قاس من الأطماع الاستعمارية الجديدة للضغط على القرار السياسي المصري في وقت يتم إعادة تشكيل خريطة العالم من جديد لإعادة إنتاج الاستعمار القديم.
حدودك يامصر تحتاج إلى أن نلتف حول وطن بات مهددا بالفعل.. تحتاج إلى قيادة سياسية ووعي شعبي بخطورة ما نمر به الآن.. حدودنا في خطر وتصرخ في صمت..فهل من مجيب؟.