التصويت على شهادات القناة
الإقبال الشعبى على تمويل مشروع قناة السويس الجديدة هو نوع من التصويت الجماهيري، ليس على المشروع وحده، وإنما تعدى ذلك إلى ما هو أبعد، فالذين يعيثون في الأرض فسادا وحرقا وتفجيرا وقتلا وتفخيخا لممتلكاتنا العامة والخاصة.. عليهم أن يدركوا أن الشعب المصري يؤكد لهم أنه اختار البناء.
ولأول مرة في التاريخ، تتم عملية شراء منتج أو سلعة بروح مختلفة عن تلك السائدة في المعاملات المالية أو الاقتصادية، فالناس أقبلوا على شراء شهادات قناة السويس الجديدة، ليس لأنها ذات عائد أكبر، وليس لأنها معفاة من الضرائب والرسوم، وليس لأنها بالحسابات أكثر ربحا من غيرها، وإنما أقبلوا لأنهم يشعرون بالتحدى.
فالزائر لأحد البنوك سيكتشف أن كل مصري ومصرية وهو يقف في طابور الشهادات، قد ارتسمت على وجهه أحاسيس المشاركة الوطنية.. سيرى قصصا إنسانية مذهلة.. أطفالا مع ذويهم.. شبابا عشرينيا غضا.. شيوخا وربات منازل.. عاملات وموظفات.. كوكتيلا مصريا يبعث في النفس الأمل.. ويجعلك تشعر أنك لست في بنك.. بل أنت الآن على خط النار في معركة مقدسة.. تعيد إلى الأذهان طوابير التبرع بالدم خلال حرب السادس من أكتوبر.. ترسم ملامح التحدي ضد التيارات الظلامية.
الناس في الطوابير داخل البنوك يواجهون المستقبل بالمشاركة في صنعه.. سيكتب التاريخ أن المصريين الذين راحوا ضحايا حفر القناة الأولى، قد تركوا من نسلهم مصريين يقدسون استشهادهم ويقدرون دورهم ويكملون المسيرة رغم كل الصعاب، ورغم كل التحديات ورغم عبث العابثين.
الواقفون في الطوابير يعيدون مشهد الانتخابات.. مشهد الاستفتاء على الدستور.. مشهد الرفض للجماعة الإرهابية وكل المرتبطين بها.. هو رفض لمشروع الكهنوت وإطلالة مصرية شعبية تنطلق من وجدان مصر الحضاري.. تؤكد للجميع أن مصر عصية على الانكسار قوية في مواجهة الأخطار.
على أن المقبلين على الشراء هم كدأب المقبلين على الحفر، وبقدر عدد المشترين ندرك عدد المشاركين في الحفر.. مظاهرة إنسانية وملحمة مصرية تدفع العقارب إلى الانزواء.. والذئاب إلى الهروب.. مصر اليوم ترفض كل تيار ظلامي هدام.. ترفض كل مدع كاذب مخادع.. ترفض لغة الهدم وتواجهه بلغة الحفر وطوابير الشهادات.