رئيس التحرير
عصام كامل

جامعة قنا وحرائق «الجان»؟


يفترض أن الجامعة مركز تنويري حضاري، تحارب ظلمات الجهل، تتواصل مع مجتمعها المحيط، وتشعر بآلامه وأماله، وتقدم أقصى طاقاتها للنهوض به، الانغلاق الأكاديمي والتعالي العاجي ولى زمنه، خاصة مع التوسع في الشراكة المجتمعية، ليصبح واجب الجامعة الأول دراسة محيطها الثقافي، وتشخيص مشكلاته وتقديم الحلول والمقترحات.


هكذا أتصور الجامعة، وأعتقد أن التوسع في الجامعات الإقليمية لم يكن هدفه إطلاقا مجرد توفير معاهد إعداد الموظفين والإداريين – الذين بالفعل أصبحت الدولة لا تجد مكانا لهم لتشغيلهم – وإنما الدافع الأساسي لإنشاء الجامعات الإقليمية هو محاربة الخرافة، ونشر العلم والتعلم.

في قنا توجد لدينا وتقريبا في توقيتات محددة في كل عام (ما بين شهري أغسطس وأكتوبر) ظاهرة اشتعال الحرائق في بعض القرى، ويكاد يكون الأمر منظما بتكرار زمني معين، ما بين قرية «الحاج سلام» في الشمال، وقرية «الترامسة» في الجنوب، وهكذا، والسبب الحاضر الجاهز دائما عند أهالي هذه القرى، التي منها كمية كبيرة متعلمة، وخريجي جامعات، بل ربما أصحاب ماجستير ودكتوراة، هو إلحاق هذا الأمر بـ«الجان». فإما السبب هو شخص حاول استحضار مارد ولم يستطع أن يصرفه، أو البحث عن الآثار، وشخص ما استخرج قطعة أثرية ولم يسترض الجان الحارس لها.

هكذا كما أقول لكم بالضبط، يحكي أهالي القرى هذا الكلام أيا كان درجتهم الجامعية بما فيهم أئمة المساجد وأحيانا أطباء ومهندسون وصيادلة ومثقفون، بكل قناعة وتصديق، ورغم محاولات الآذان المستمر من المساجد، وشرائط القرآن، وحلقات الذكر وغيرها من وسائل طرد «الجان»، تستمر هذه الحرائق لفترة معينة –تقريبا من أسبوعين إلى ثلاثة – تكون فيها سمة أهل القرية الاستعداد ببراميل المياه، فغالبا الحرائق تحدث في قرى بعيدة عن المطافئ، وفي مناطق جبلية، ويمر الأمر، وإن تجرأت وقلت لأحد منهم: ما السبب الحقيقي وراء هذا الظاهرة؟ أو أنني أشك أن هناك شيئا بيئيا جغرافيا محتملا. تكون الإجابة: «هو إنت حتنكر وجود الجان؟ دا مذكور في القرآن!».

وبالطبع أنا لا أنكر وجود الجان، وأؤمن به كما خبرنا الله تعالى في كتابه، لكنني أنكر طريقة التعامل مع الحدث، واتساءل: أين دور جامعة قنا من كل هذا؟ اليس بها كليات علوم وبها متخصصون في الجيولوجيا والجغرافيا والاجتماع وغيرها مما قد يكون متطلبا لتفسير مثل هذه الظاهرة؟ حتى لو افترضنا عدم وجود مثل هؤلاء المتخصصين، ألا يمكنها توجيه الدعوة وقيادة فريق علمي لبحث هذه الظاهرة؟ أم ترى هل تعتقد الجامعة أن «الجان» وراء هذه الظواهر، ولا ينبغي عليها أن تتناولها بالبحث والدرس والتحليل؟ أليس مطلوبا منها أن تقدم حلا ينهي هذه المعاناة؟

في إحدى القرى الأجنبية حدثت ظاهرة غريبة، وهي خروج النار من باطن الأرض ثم اختفائها، وانشقاق الأرض لتبلع بعض السيارات تم تلتئم مرة ثانية، طبعا لو هذا عندنا تخيل ماذا كانوا سيقولون، عندما تم دراسة ذلك علميا، تبين أن هناك منجما للفحم يبعد عن المنطقة أكثر من 4 كم، وأن التنقيب فيه زود كمية الضغط في الأرض، وما يحدث هذا من اختلال نسب الغازات في باطن الأرض، وكان الحل المقترح عمل بعض الفتحات كتهوية في بعض الأماكن، واختفت الظاهرة، ترى ما الذي نحتاج لعمله حتى لا تحدث هذه الحرائق في قرى قنا كل صيف بين شهري (أغسطس وأكتوبر)؟ هل نحل المشكلة بالعلم، ونبحث ونحلل بنية التخلف في هذه المجتمعات، أم نحتاج لحجاب كبير يعلق على كل قرية من هذه القرى.
الجريدة الرسمية