رئيس التحرير
عصام كامل

"الحقوق" حاضر مؤلم ومستقبل غير مبشر


بمناسبة اليوم العالمى للقانون الذي يوافق 13 سبتمبر من كل عام، علينا أن نتوقف قليلا، لنثير موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بدراسة القانون في مصر، فإذا كان الهدف من قيام الأمم المتحدة بتحديد يوم معين بأنه يوم عالمى، هو جذب انتباه الناس في دول العالم المختلفة إلى موضوعات محددة، لتحظى تلك الموضوعات بما يجب أن تحظى به من الاهتمام والدراسة، فلا يوجد موضوع أهم من واقع كليات الحقوق في مصر التي تتولى تدريس القانون لنناقشه في اليوم العالمى للقانون.


كليات الحقوق.. من القمة إلى السفح، دون سبب مقبول أو مبرر معقول، بعد أن كانت كلية الحقوق العريقة يطلق عليها كلية الوزراء، ولا يلتحق بها إلا أوائل الثانوية العامة أو ما كان يسمى قديما أوائل التوجيهية، تغير الحال، واتجهت الدولة إلى قبول الآلاف الطلاب بكليات الحقوق، غير المؤهلين أصلا بحكم انخفاض مستواهم التعليمى لدراسة علوم القانون والشريعة، المتعددة والمتشعبة، التي تحتاج فيمن يدرسها أن يكون على مستوى مرتفع من الذكاء والكفاءة العلمية، فتدهور مستوى الطالب الذي أصبح يلتحق بكلية الحقوق، حتى أصبحت تقبل أصحاب أقل المجاميع، بعد أن كانت تقبل أصحاب أعلى المجاميع، وليس أدل على ذلك من الإحصائيات والأرقام التي تكشف المأساة التي حدثت في الستين سنة الماضية، فعدد طلاب كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1925 كان 980 طالبًا، في جميع السنوات الدراسية، في حين أصبح عدد طلاب ذات الكلية في العام الدراسي 2006\2007 على سبيل المثال يزيد على خمسة وثلاثين ألف طالب بقسمي الليسانس والدراسات العليا.

في أوائل القرن الماضى عندما كانت الدولة المصرية تدرك أهمية دراسة القانون، وتحرص على أن يكون رجل القانون سواء أكان قاضيا أو محاميا على مستوى تعليمى مرتفع، اتجهت رغبة الحكومة المصرية إلى أن تصبح كلية الحقوق المصرية معهدا علميا يضارع الكليات الأوربية، فرأت أن تسند إدارة كلية حقوق القاهرة في أول عهدها إلى العميد الفقيه الفرنسى أستاذ القانون العام ليون ديجى لمكانته العلمية وواسع خبرته الإدارية، والذي تولى إدارة الكلية من 29 نوفمبر سنة 1925 حتى أول مارس سنة 1926، وفى الفترة الوجيزة قام بتحضير أهم لوائح الجامعة وتحديد وظائفها، وقد خلفه في عمادة كلية الحقوق أساتذة مصريون عظام، من كبار فقهاء القانون، إلا أن المأساة بدأت عندما تغيرت سياسة الدولة تجاه القانون بصفة عامة، تجاه احترام دراسته في منتصف القرن الماضى، فلجأت إلى حشر الآلاف الطلاب ممن نجحوا بالكاد في الثانوية العامة بأقل المجاميع، في كليات الحقوق، التي اكتظت بهم، وقد انعكس ذلك على مستوى رجال القانون، فرأينا خريجين لا يعرفون شيئا عن قواعد اللغة العربية، رغم أنها أهم أدوات رجل القانون، ولا يفقهون شيئا في القانون الذي درسوه على مدى أربع سنوات، بعد أن انتشرت آفة الاعتماد على الملخصات، المختصرة والمبتسرة، التي لا تربى الملكة القانونية عند الطالب، إنما يتمكن من خلالها من الإلمام بمادة من مواد القانون في وريقات قليلة حتى يتمكن من كتابة أي معلومات في الامتحان.

من الأمور الغريبة، أن تجرى كليات لا يعمل خريجها في أعمال حساسة تهم مصالح أغلب جموع الشعب اختبارات قدرات لقبول الطلاب بها، ولا تجرى هذه الاختبارات للقبول بكلية الحقوق، أو أن تجرى امتحانات شفهية في بعض الكليات التي لا يشترط في خريجيها أن يجيدوا التحدث والتعبير عن وجهة نظرهم، في حين لا يشمل نظام الامتحانات بكلية الحقوق نظام الامتحان الشفهى باستثناء الدراسات العليا رغم أن المحامى أساس وظيفته الكلام والتعبير الشفهى عن معلوماته القانونية، وضرورة التحقق من إجادته للغة العربية، من الغريب أن تكون دراسة علوم القانون المتعددة والمتشعبة أربع سنوات فقط، ثم نتحدث عن معاهد قومية لتأهيل المحامين ولإعداد القضاة، في حين أن الأيسر أن تزداد مدة الدراسة في كلية الحقوق لتصبح خمس أو ست سنوات.

في اليوم العالمى للقانون، علينا أن نعيد النظر في سياسة القبول بكليات الحقوق، ونظام التدريس والامتحانات بها، لا يمكن أن تستمر الكلية في قبول الآلاف من أصحاب المجاميع المنخفضة، وهو ما أدعو معه أساتذة القانون إلى النظر إليه، وإعداد الدراسات التي تكفل الارتفاع بمستوى خريج الحقوق، فكل حق لمتقاض ضاع بسبب خطأ من رجل قانون لجأ إليه ليعاونه في استعادة حقوقه فتسبب بجهله في ضياعها وإلحاق الضرر بالمواطن المسكين، نتيجة مباشرة لما آل إليه حال كلية الحقوق التي تعيش حاضرا مؤلما، وينتظرها مستقبل غير مبشر إذا استمرت أوضاعها كما هي دون تغيير أو تطوير.
الجريدة الرسمية