رئيس التحرير
عصام كامل

دولة «توجيهات الرئيس»


توجيهات وتعليمات الرئيس الأسبق حسني مبارك لوزرائه ومسئوليه كانت سببًا في ثورة الشعب عليه، والإطاحة به بعد ثلاثين عامًا من حكمه، وهي ذاتها التي قضت على الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته، بعد عام واحد من الحكم، فقد كانت شكوى الشعب من هذين النظامين واحدة تقريبًا، فالنظام «الإخواني» نقل تجربة نظام مبارك «كوبي بيست»، وزاد عليها كثير من «الغباء»، نتيجة اعتماده على أهل «الثقة» و«إقصاء» أصحاب «الكفاءة»، وبالتالي فإن ما كان يوجهه الشعب من نقد لحكومات «الحزب الوطني»، هي ذاتها وأكثر منها حدة وغضبًا، وُجهت لحكومات «الحرية والعدالة».


ورغم قيام ثورتين أطاحتا برئيسين ونظامين في أقل من ثلاث سنوات، واستبشارنا بتأسيس دولة المؤسسات المتعاونة المتواصلة فيما بينها، إلا أننا ما زلنا نعيش في دولة «الفرد».. دولة لا يحل مشاكلها إلا شخص واحد، ولا يخطط لها إلا شخص واحد، ولا يملك فيها الرؤية والحكمة إلا شخص واحد.. أما بقية المسئولين فأغلبهم، إن لم يكن كلهم، مجرد «ديكور»، لا يتحدثون إلا بأمر الرئيس، ولا يسيرون إلا بتوجيهات الرئيس، ولا ينفذون إلا تعليمات سيادة الرئيس، وكأنهم لم يستوعبوا الدرس بعد، بل ربما تناسوا أنهم جاءوا إلى مناصبهم بـ«إرادة الشعب».

وإذا كنا نعيب على وزراء ومسئولي حكومات مبارك ومرسي، ونتهمهم بأنهم كانوا مجرد «موظفين»، أو «سكرتارية» ينفذون أوامر وتوجيهات الرئيسين، ولا يملكون الرؤية والإستراتيجية والعقلية والخطط المدروسة للتعامل مع الأزمات والمشاكل التي تواجه الوطن والمواطنين، فإن هذه الاتهامات أيضًا يتم توجيهها إلى حكومة المهندس إبراهيم محلب.

فمعالي رئيس الحكومة والذين معه يعجزون عن حل أبسط المشاكل إلا بعد تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعطي توجيهاته، ويوصي بتعليماته، ويصدر أوامره، وحدث ذلك أكثر من مرة، سواء كانت أزمات متعلقة بحياة المصريين، أو مشكلة متعلقة بأشخاص مثل أزمة «مرتضى وشوبير»، ولم يبق أمام «السيسي» إلا أن يتدخل لاحتواء وحل الخلافات بين «الرجل وزوجته».

ولعل ما يثبت أن رجال حكومة محلب مجرد «موظفين»، أو «سكرتارية»، هو الإعلان المفاجئ للرئيس عن مشروع حفر قناة السويس الجديدة، وكأن مشروعًا قوميًا عظيمًا مثل هذا لا يحتاج إلى مكاشفة، ودراسة التدبير المالي له، وتذليل كل العقبات أمامه، أو على الأقل كل وزير، أو بعض الوزراء يأخذون فكرة عنه، أو حتى قراءته من باب «العلم بالشيء ولا الجهل به»، كما ظهروا في وسائل الإعلام وكل مسئول كان يعطي تصريحات مختلفة عن الآخر.

والغريب والمدهش أن جميع الوزراء والمحافظين والمسئولين، إلا ما رحم ربي، وصفوا المشروع بأنه «ضربة معلم» من «السيسي»، وإن كان كذلك بالفعل، وراحوا يعددون امتيازاته، والطفرة التي سيحدثها في مصر، على طريقة ما كانوا يروجون له حول مشروعات «توشكى» و«شرق التفريعة» وغيرهما في عهد مبارك.

إن إعداد الخطط القابلة للتنفيذ والتطبيق على أرض الواقع مسئولية الحكومات في المقام الأول، سواء كانت تلك الخطط قصيرة، لا تتجاوز بضعة أشهر، عند التعامل مع أزمات طارئة وتحتاج حلولًا عاجلة، أو سنوية أو خمسية وربما تصل إلى خطط خمسينية، أي لمدة 50 عامًا كما يحدث في الدول المتقدمة.

لكن عندنا في مصر الوضع مختلف، فالتخطيط «فنكوش»، وكل مسئول في حكومة محلب عندما تولى منصبه أكد أنه جاء بأجندة وخطة ورؤية سيعمل على تنفيذها، وإذا سألته عن مواجهة أي مشكلة سيقول لك: «أعددنا خطة للتعامل مع الأزمة»، وتمر الأيام والأسابيع والشهور وتبقى المشكلة كما هي، والأدهى بقاء المسئول نفسه في موقعه، فلا الأزمة تم حلها، ولا هو تم تغييره!

الطريقة التي تتعامل بها حكومة محلب مع الأزمات الحانقة التي تواجه المصريين، تؤكد أن رجال هذه الحكومة لا يعرفون شيئًا عن التخطيط الإستراتيجي، بل يعتمدون على خطط «دعاء الوالدين»، و«قول يا باسط»، بدليل ما حدث مع نقل الباعة الجائلين من منطقة وشوارع وسط البلد إلى جراج الترجمان.

ولأن الشعب المصري «فِهِمْ الفولة»، وبـ«يحب يلخص ويجيب من الآخر»، فإنه أدرك أن حكومة محلب لا تملك من أمرها شيئا، ولذلك انتشرت مناشدات المواطنين للرئيس والاستغاثة به لرفع الظلم عنهم، أو حل مشكلة لهم، أو تحقيق أمنية بسيطة لهم، ولعل أبرز مثال على ذلك الخبر الذي نشرته بعض الصحف في صدر صفحتها الأولى بعنوان: «السيسي يستجيب لأسرة شهيد القناة ويأمر بنقل رفاته إلى مقابرهم»، فهل هذا الخبر يستحق تدخل الرئيس، وهل كان أحد سيوجه النقد لوزير الدفاع لو فعل ذلك؟!

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فبمجرد مطالعة وسائل الإعلام المختلفة ستفاجأ بحجم المناشدات للرئيس، فـ«جبهة الإبداع تناشد السيسي الإفراج المؤقت عن علاء عبد الفتاح»، و«رد المظالم تناشد الرئيس التدخل لحل أزمة الكهرباء»، و«أسماء تناشد السيسي لعلاج ضحايا حادث اغتصاب التحرير على نفقة الدولة»، و«الأحزاب تناشد السيسي وقف إصدار قانون الانتخابات لحين التوافق حوله»، و«نقيب التمريض تناشد الرئيس السيسي بإقرار قانون تنظيم مزاولة المهنة»، و«الغرف التجارية تناشد السيسي عدم الموافقة على قانون ضرائب البورصة».

هذه مجرد عينة صغيرة من الذين يناشدون السيسي التدخل لحل مشاكلهم، أفراد وهيئات وأحزاب وجمعيات ونقابات.. وكأن مصر لا يعمل فيها غير السيسي، وليس فيها مسئول قادر على اتخاذ القرار ورفع الظلم عن المظلومين إلا السيسي، وهنا الخشية أن تتحول مصر إلى «مصر السيسي» كما كان يطلق عليها في عهد مبارك.

لا أحد ينكر دور الرئيس، وتدخله لحسم خلاف، أو تقريب وجهات النظر بين طرفين، لكن هناك أكثر من وزير في حكومة محلب لا عمل لهم إلا التغني بـ«حكمة السيسي»، فوزير الري الدكتور حسام المغازي، أكد لوسائل إعلامية أن «تدخل الرئيس السيسي وراء نجاح مفاوضات سد النهضة»، وأين الدور الذي من المفترض أن يقوم به معاليه؟ وإذا لم يكن وزير الري مؤهلًا للتفاوض بشأن حصتنا في مياه النيل، فهل نستعين بوزير العدالة الانتقالية مثلًا لإدارة ملف المياه؟!

ونأتي لأزمة انقطاع التيار الكهربائي، التي لم يسلم منها أي بيت في مصر، إلا مَنْ جاور قصر الرئاسة، أو كان جالسًا تحت عامود إنارة في «عز الضهر»، وأصبح وجود «النور» في حياتنا هو الاستثناء، و«الظلام» هو القاعدة، بعد أن وصل انقطاع التيار لأكثر من 21 ساعة يوميًا في بعض المناطق.

وزير الكهرباء محمد شاكر لم يعلن عن خطة "معاليه" لمواجهة الأزمة، ولا استعدادات الوزارة لعدم تكرار ذلك، لكن اكتفى سيادته بإعطاء المبررات لاستمرار لأزمة، مرة بنقص الوقود، ومرة بسبب الصيانة، ومرة بتفجير أبراج الضغط العالي.. مبشرًا جموع المصريين بأن المشكلة ستختفي تمامًا بعد أربع سنوات.

وعندما تفاقمت المشكلة، وتزايدت الشكاوى ومناشدات المواطنين بتدخل «السيسي»، هنا فقط تدخل الرئيس، وكما قال الوزير إن الرئيس أعطى توجيهاته لحل الأزمة خلال ثلاثة أيام، وبالفعل ومن اليوم الثاني شعر المواطن بتحسن في التيار!

وهنا يجب التوقف ووضع عشرات من علامات الاستفهام، فحل المشكلة ليس مستحيلًا، والأزمة ليست مستعصية كما حاول الوزير أن يصورها للشعب، ولكن الوزير نسي أن يصارح الشعب بأن «السر في توجيهات وأوامر الرئيس» وأن «السيسي هو الحل»، وأنه مجرد موظف، جاءوا به من «الدار للنار» ليكون وزيرًا، دون أن يكون لديه خطة عمل خلال وجوده على كرسي الوزارة!

ما يُقال على الوزارات والوزراء السابقين ينطبق على وزارة الداخلية، ففي الفترة الأخيرة تزايدت حوادث اعتداء وتعذيب بعض أفراد الشرطة للمواطنين داخل الأقسام، ووصل الأمر بأحد الأمناء أن أطفأ سيجارة مشتعلة في فم جثة مسجل خطر وهو في المشرحة، وتحرش آخر بفتاة معاقة ذهنيًا في قسم إمبابة.

ورغم يقيننا بأنها حوادث فردية إلا أن تكرارها يثير العديد من المخاوف في نفوس المصريين، ويضع الكثير من علامات الاستفهام حول أداء وتعامل جهاز الشرطة مع المواطنين، وخطة تطوير الأجهزة الأمنية، والتزامها معايير حقوق الإنسان، خاصة بعد ثورتي «25 يناير و30 يونيو»، فهل ينتظر الوزير اللواء محمد إبراهيم توجيهات الرئيس السيسي للكشف عن خطة وعقيدة الداخلية للتعامل المواطنين والخارجين على القانون في الفترة المقبلة؟

أما وزارة «العدالة الانتقالية» فهي أشبه بالوزارة «السرية» لا أحد يعلم عنها ولا عن مهامها شيئا، فقد تغير الوزير إبراهيم المهدي، وجاء مكانه المستشار إبراهيم الهنيدي، وما زالت المظالم كما هي «محلك سر»، والاحتقان الجماهيري على أشده، والحديث عن «المصالحة» فضفاض، والتساؤل ما زال قائما، هل تتم المصالحة بإرادة سياسية أم بتوافق شعبي؟.. فهل يخرج علينا الوزير بإستراتيجية وخطة واضحة المعالم للتعامل مع هذه الملفات؟ أم سينتظر سيادته توجيهات الرئيس السيسي؟
الجريدة الرسمية