رئيس التحرير
عصام كامل

وداعا حبيب الشعب !


سمحت الدراسة بالسنة الأولى الجامعية في الإسكندرية بالاستمتاع بهدوء بالمدينة الساحرة..هذه المرة البقاء إلى ما شاء الله أن يكون..فلا رحلة سريعة ولا زيارة خاطفة للمصيف..كان حي محرم بك مقصدا وهدفا.. قرأنا وسمعنا عنه حواديت وقصصا..هنا قبل سنوات وسنوات تصدي شاب صغير لسلطة كبيرة.. هنا حي أبو العز الحريري..هنا حي وأهل الرجل الذي هزم السادات ونظامه..

هنا حي الرجال الذين أنجحوا شابا صغيرا عبر بالكاد سن الترشح القانوني.. هنا أهل الحي الذين تحدوا مرشح السلطة وأسقطوه.. هنا من رفضوا سيف المعز وذهبه..هنا حي الرجال..وسط أحياء للرجال اشتهرت بها الإسكندرية..هنا معقل الناصريين واليسار المصري والإسلام المستنير..هنا في هذه المكتبة بمحرم بك وغيرها من المكتبات كتاب نائب الإسكندرية الكبير كمال أحمد "الناصرية..نظرية العالم الثالث" ودائرته على مرمى الرؤية..

وهناك مكتب عادل عيد المحامي الشهير الممثل الرائع للإسلام الحقيقي..وهنا دائرة فارس الإسكندرية وفتاها.. ثائرها ومحرض شبابها على طلب الحق وقول الحق والسعي للانتصار لكل ما هو حق..صار الحي مزارا سياحيا بسببه ومنسوبا إليه.. ولم يهزمه حزب أحمد عز بعدئذ إلا بالتزوير والبلطجة..لكنه ظل رغما عن عز وعن حزبه ممثلا لهذا الشعب ولضميره الوطني..ورمزا من رموز الشرف والطهارة والعطاء..

حتى في المعارك..كان أبو العز الحريري نبيلا كبيرا..لم نره في معركه شخصية واحدة !! ولم نره في شائعة واحدة..لا مع نظام خارجي ولا مع تمويل غير مشروع!! ولم نره في مؤامرة واحدة!! ولم نره يخوض في أعراض خصومه لمرة واحدة !! ولم نره في معركة من أجل ما ليس له !! ولم نره سبابا شتاما همازا مشاءا بنميم !! ولم نره يرد سائلا ولا يرفض سؤالا لصحفي صغير أو كبير وأشهد أنه كان يأتي من الإسكندرية ليلتزم بموعد مع معدي البرامج تقديرا لوعد قطعه على نفسه أو التزام تعهد به مهما كلفه من مشقة ومن إرهاق!

كان قريبا من الناس حتى لو اختلفوا معه فأحبوه..وربما الوحيد الذي يهاجم مبارك ونظامه ولم يقترب منه أو يهاجمه أنصار مبارك..كان قريبا من الناس ومن قلوبهم بنقاء وطني نادر..حتى اختلافه في حزبه الذي أسسه (التجمع) كان عاما وكان اختلافا في الرؤي وكان فيه مثاليا فخسره وخسر غيره!!

الحزن عند الناس يظهر مقدار الرجل وقيمته..وهي شهادة بقيمته عند رب العالمين..ونحن إذ نفتقد اليوم وطنيا كبيرا ونفتقد معه جرأته ونزاهته وشرفه وحتى ابتسامته وطلته الطيبة البريئة..ندعو الله أن يدخله فسيح جناته وأن يلهم أهله واليسار الوطني الشريف وأهل الإسكندرية ورجال محرم بك الصبر والسلوان وأن يعوض مصر العظيمة بعظيم مثله..ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون!
الجريدة الرسمية