من حسن السياسة
من حسن السياسة ألا تخوض معركة مع الأعداء أو حتى مع الخصوم، إلا بعد أن تعد لها ولو الحد الأدنى من عناصر النصر.. وإلا طاشت سهامك وتبددت قواك وعادت عليك بالخسران المبين.. ومن عناصر النصر قوة الوحدة، وقوة العقيدة والإيمان، وقوة العدد والعدة، وتعبئة الرأى العام في الداخل والخارج، ووضوح الرؤية فيما يتعلق بالاستراتيجية والتكتيك، وتحديد الوسائل، والأهداف، والانحياز للحق والعدل..
ولاشك أن أي خلل في واحد من هذه العناصر، عادة يكون له تأثير سلبى في سير المعركة ونتائجها..أيضا، لابد لك أن تحسب بدقة قوة عدوك أو خصمك، وخطته، ووسائله، وردود أفعاله، وهل من المناسب أن تخوض معركتك معه الآن، أو بعد ذلك، بمعنى أن تختار الزمان والمكان الملائمين لتحقيق أكبر قدر من النصر، بأقل التكاليف والخسائر الممكنة..
يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): "لا تتمنوا لقاء العدو، ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا".. ويقول أيضًا: "لا يذل الرجل منكم نفسه، قالوا وكيف يذل الرجل منا نفسه يا رسول الله؟ قال: يعرض نفسه للبلاء ما لا يطيق"، أو كما قال.. لقد تجلت عظمة خالد بن الوليد يوم "مؤتة" في أن ينسحب بالجيش لأنه كان على وشك أن يفنى أو يسحق سحقا أمام العدو، الذي فاقت نسبته بكثير جدا نسبة جيش المسلمين..
فقد كان جيش الروم يربو على 120 ألفا، بينما لم يكن جيش المسلمين يتجاوز 4 آلاف.. انظر إلى قوله تعالى: "يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون".. ثم يقول في الآية التي تليها: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين" (الأنفال: ٦٥، ٦٦)..
تأمل مسألتين؛ الأولى: التكرار، وهو يفيد التأكيد، والثانية: النسبة وارتباطها بقوة العقيدة والإيمان.. فمع قوة الإيمان يستطيع الواحد أن يغلب عشرة، ومع ضعف الإيمان لا يستطيع أن يغلب سوى اثنين فقط...
أحسب أن القضية الفلسطينية الآن تمر بمنعطف خطير في تاريخها، فهى في أضعف حالاتها، خاصة أمام الآلة الصهيونية الوحشية والمعربدة..الصف الفلسطينى نفسه منقسم ومتشرذم، والصف العربى أكثر انقساما وتشرذما، وبالتالى أكثر ضعفا وعجزا.. بل إن العلاقة بين حماس والنظام المصرى ليست في أحسن حالاتها.. وموقف حماس بالنسبة للمبادرة المصرية، كان موقفا متعنتا في البداية، بالرغم من أنه كان الممكن إنقاذ الكثير من الضحايا..كان واضحا أن الآلة الصهيونية تريد جرجرة واستدراج المقاومة الفلسطينية، كى تضرب وتضرب بقسوة وعنف.. لقد وصل عدد الضحايا إلى أكثر من ألفين وتسعين شهيدا، وعدد المصابين والجرحى لأكثر من عشرة آلاف.. ناهينا عن عملية التدمير للبنية التحتية للقطاع..
إن العدو الصهيونى -فوق أنه محتل وغاصب- هو متعنت إلى أقصى الحدود، فنتنياهو يريد تحقيق مكاسب سياسية أمام مواطنيه الصهاينة وأمام العالم، وأن يظهر قدرته على توجيه ضربات موجعة للمقاومة والشعب الفلسطينى..هو لا يترك فرصة إلا ويذكر العرب أنه لا يزال صاحب الذراع الطويلة..
على الناحية الأخرى، لا تريد المقاومة -رغم الضحايا- أن ينجلى غبار المعركة دون تحقيق تقدم على صعيد رفع المعاناة وفك الحصار عن الشعب الفلسطينى، كشعب محتل له حقه في الحياة والحرية، وذلك من خلال عودة الحياة للميناء، والمطار، وفتح المعابر.. لكن، للأسف المقاومة تحارب المعركة بمفردها، بمنأى عن الدول العربية.. وتلك هي الخسارة الكبرى.