رئيس التحرير
عصام كامل

أجواء سياسية غير مطمئنة


يلف الضباب الكثيف المشهد السياسي الراهن في مصر المحروسة، وذلك لأنه لا حديث إلا عن التحالفات السياسية التي تتشكل الآن تمهيدًا لتنفيذ الخطوة الثالثة والأساسية من خارطة الطريق.


لقد نجحنا – مما لا شك فيه - في صياغة دستور توافقي يتميز عن كل الدساتير المصرية السابقة، خصوصًا فيما يتعلق بتوزيع السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان، وكذلك يمكن القول إن المواطنة – بكل ما تحمله الكملة من معنى - أصبحت أيقونة الدستور بحيث لن يكون هناك أي مجال للتمييز بين المصريين على أساس اللون أو الأصل أو الديانة، ولو نظرنا إلى زاوية حقوق المواطنين فقد تميز الدستور بالتركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل بارز.

وربما كان هذا الجانب بالذات هو الذي يعبر عن التطبيق الدقيق لشعارات ثورة 25 يناير التي كانت العيش والحرية والكرامة الإنسانية.. ونستطيع أن نقرر– لو نظرنا للموضوع نظرة مقارنة - أنه ليست هناك ديمقراطية بغير عدالة اجتماعية، كما أنه ليست هناك عدالة اجتماعية بغير ديمقراطية.

ثم انتقلنا في الخطوة الثانية الحاسمة إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، التي فاز فيها السيد "عبد الفتاح السيسي" بمعدلات غير مسبوقة في انتخابات نزيهة وشفافة باعتراف كل المراقبين مصريين وعربًا وأجانب.

وتبقى الخطوة الأخيرة وهي انتخابات البرلمان، وتبدو أهميتها القصوى في المسئوليات التي وضعها الدستور الجديد على عاتقه، بعبارة أخرى أصبح البرلمان هو "رمانة الميزان" في النظام الدستوري المصري الجديد.

ومن هنا انطلقت المبادرات المتعددة من قبل الناشطين السياسيين الذين كونوا أكثر من 300 ائتلاف شبابي والأحزاب السياسية القديمة والجديدة التي فاقت الثمانين حزبًا لصياغة تحالفات سياسية تضمن لها نسبة عالية في مقاعد البرلمان.

ومن ناحية أخرى، يسعى حزب النور السلفي لملء الفراغ الذي تركته جماعة الإخوان المسلمين التي صدر قرار بكونها جماعة إرهابية، بالإضافة إلى صدور حكم قضائي بإلغاء حزب الحرية والعدالة.

النخب السياسية تقليدية كانت أو حديثة مشغولة انشغالًا شديدًا بالتحالفات، التي للأسف في أغلبها لا تقوم على التمايز الواضح في البرامج ولكن على الشخصيات السياسية التي تتزعمها.. غير أننا لو ألقينا نظرة على التفاعلات المعقدة في مجال التحالفات السياسية لوجدناها يسودها التذبذب الشديد، وكل يوم تطالعنا الصحف بانشقاقات جديدة، بحيث أصبح المواطنون العاديون ليسوا مشاركين في الفعل السياسي، ولكن مجرد متفرجين على ما يدور في الخريطة المعقدة للتحالفات التي يعجز حتى المحللين السياسيين، على تتبع خيوطها المتشابكة.

ولو نظرنا من ناحية أخرى إلى ظاهرة الانقسام السياسي والاجتماعي العميق بين الجبهة الثورية والجبهة الليبرالية من ناحية والجبهة الدينية من جانب آخر، لوجدنا محاولات من قبل بعض التيارات الدينية المتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين جراء ما يطلق عليه "مصالحة" بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السياسي الجديد.

والسؤال هنا على أي أساس يمكن أن تقوم هذه المصالحة بعد الجرائم الكبرى التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ليس ضد السلطة فقط ممثلة في قوات الأمن والقوات المسلحة فقط، ولكن ضد الشعب المصري بكل فئاته، ويكفي أن نتابع السجل الأسود لجرائم الإخوان المسلمين التي تتمثل في التظاهرات التخريبية ونسف أبراج الكهرباء وتفجير القنابل.

ولو تأملنا ما نشر عن مقترحات المصالحة لاكتشفنا أنها لا يمكن أن تقبل بها "السلطة ولا الشعب".. فهم يطالبون بالإفراج عن قيادات الجماعة، وألا يحاكم إلا من يثبت عليه التحريض على العنف أو القيام به، كما أنهم يطلبون أيضًا بكل تبجح أن يندمجوا مرة أخرى في الحياة السياسية، ويسمح لهم بالترشح للبرلمان وللانتخابات الرئاسية القادمة.

والسؤال الجوهري هنا كيف يندمجون مرة أخرى وهم لم يمارسوا النقد الذاتي عن معتقداتهم المتطرفة، وأبرزها تأسيس حكومة دينية واسترداد الخلافة الإسلامية.. هل سيتحللون عن هذه القناعات الزائفة! وإذا تم ذلك ترى ما هي المعالم الحقيقية لبرنامجهم السياسي الذي سيحاولون به إقناع المواطنين بعد أن تلوثت أيديهم في جرائم القتل والاغتيال والإرهاب بكل صوره؟

وهكذا غموض شديد في سوق التحالفات السياسية، وعدم حسم موضوع المصالحة المزعومة بصورة قاطعة، لأنها لو تمت ستكون ضد الإرادة الشعبية.
الجريدة الرسمية