رئيس التحرير
عصام كامل

د. عبد السلام جمعة: من ينادي بزراعة القمح في توشكى «اضربه بالنار»

فيتو

  • 45 فدانا وراء دخولي كلية الزراعة.. وثورة 52 أطاحت بـحلمي
  •  القمح المصري أجود من المستورد.. ومافيا الاستيراد وراء تشويه سمعة المنتج المحلي
  •  تطوير نظام الري في مصر «ضرورة ملحة».. وسد النهضة «كارثة» 
  • أكره السياسة.. وأحذر من الجيل الثالث والرابع للإخوان 
  • الحكومة مزارع وتاجر وصانع «فاشل» 
  • إنشاء الأفران البلدية بالقرى «كارثة».. والدعم النقدي هو الحل
  • خلط دقيق القمح بالذرة يوفر استيراد مليون طن من القمح سنويًا

لم يكن تلقيبه بـ "أبو القمح المصري" إلا تقديرا من الفلاحين لمجهوداته في زيادة إنتاجية الفدان من محصول الغذاء الرسمي للمصريين، لذلك يعتبر هذا اللقب هو الإنجاز الأهم في حياته.. عشقه للزراعة نما بداخله منذ صباه، فكان قراره هو الالتحاق بكلية الزراعة عام 52 للحصول على 45 فدانا كانت تمنحها الدولة آنذاك لخريجي الكلية لكن جاءت ثورة 23 يوليو لتقضي على أحلامه بوقف القرار، ومع ذلك واصل كفاحه وأخذ على عاتقه استنباط أصناف جديدة من القمح ما جعله أشهر خبراء زراعة القمح في مصر والوطن العربي والشرق الأوسط، وذلك بفضل أكثر من 58 عاما من الخبرة في مجال بحوث القمح والمحاصيل البقولية، وبالرغم من أنه على مشارف العقد الثامن من العمر إلا أنه ما زال قادرا على العطاء.. إنه الدكتور عبد السلام جمعة - رئيس مجلس الحبوب والمحاصيل البقولية بمركز البحوث الزراعية - والذي التقته «فيتو» في هذا الحوار.

وأكد الدكتور عبد السلام جمعة أن الاكتفاء الذاتي من محصول القمح في مصر في الوقت الحالي "مستحيل"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه من الخطأ زراعة محصول القمح بالأراضي التي يتم استصلاحها حديثًا.


اسمح لي في البداية أن أسألك عن لقب "أبو القمح"؟
المزارعون هم من أطلقوا على هذا اللقب والذي أفتخر به دائما، وأعتبره أهم إنجاز في حياتي، فعندما كنت رئيسا لقسم بحوث القمح بمركز البحوث الزراعية خلال الفترة من عام 1977 وحتى عام 1984، تم استنباط أصناف جديدة من تقاوي القمح ذات الإنتاجية العالية تحت الظروف البيئية المختلفة كالحرارة والجفاف والملوحة، والتي رفعت بدورها إنتاجية محصول الفدان إلى 9 أردب، مقابل نحو 5 أردب، وعندما كنت أقوم بجولات تفقدية لبحث نتائج العينات الجديدة كان المزارعون يهتفون لي "يعيش أبو القمح" للتعبير عن فرحتهم بالطفرة الكبيرة في المحصول، ومن ذلك التاريخ وأنا ألقب بـ"أبو القمح".

ولكن ما هو سر اعتزازك بهذا اللقب؟
لأنه اللقب الوحيد الذي يعد شهادة نجاح، ولا يصدر للنفاق كغيره من الألقاب التي تُطلق على المسئولين، ولكن غالبا ما يتم نسيانها مع مغادرة المسئول للسلطة، وكان لقب "أبو القمح" تعبير عن فرحة الفلاحين بزيادة إنتاجية محصول القمح، ولم يكن يريدون من وراءه أي مصالح شخصية.

وهل سبب هذا اللقب لك أي أزمات؟
بالطبع، فهذا اللقب سبب لي بعض الأزمات خاصة مع وزراء الزراعة وكبار مسئولي الوزارة السابقين، خاصة أنه أثناء جولاتي مع الوزراء كان يهتف المزارعون لي دائما "يعيش أبو القمح" وهو ما كان يضع الوزير في حرج.

بات حلم الاكتفاء الذاتي من القمح يراود جميع المصريين.. هل يمكن تحقيق ذلك؟
بالطبع لا.. فنقص المساحة الصالحة للزراعة في مصر والبالغة 8.5 ملايين فدان يقف حائلا أمام حلم الاكتفاء الذاتي من القمح، حيث تستهلك مصر 15 مليون طن سنويا، فيما يصل إجمالي إنتاج القمح المصري نحو 9 ملايين طن سنويا فقط، ويتم استيراد باقي الكمية من الخارج، كما أن مصر تزرع نحو 3 ملايين فدان من محصول القمح سنويا، ولكي يتم الاكتفاء الذاتي لا بد من زراعة 5 ملايين فدان، وهو ما يؤثر سلبًا على باقي المحاصيل التي تنتجها مصر، وبالتالي فإن تحقيق هذا الحلم مستحيل.

وهل يمكن زراعة القمح في الأراضي المستصلحة حديثًا وعلى رأسها مشروع توشكي؟
أنا ضد زراعة الأراضي المستصلحة الجديدة بالقمح، لأنه لن يكون مجديا للمزارعين، وإنما يجب زراعتها بالمحاصيل التي يتم تصديرها للخارج بأسعار مرتفعة، مما يرفع العائد على الأراضي الجديدة، ويزيد من مساحة الرقعة الزراعية، لكن من الخطأ المطالبة بزراعة القمح في توشكي، ولو طرح أحد ممن يطلقون على أنفسهم خبراء هذا الكلام أمامي لـ"ضربته بالنار"، لأنهم لا يفقهون إستراتيجيات الزراعة، فعلى سبيل المثال لو تم زراعة العنب في توشكي سينضج خلال شهر أبريل، ويمكن تصديره بسعر 12 دولارا للكيلو، مما سيخلق قيمة مضافة كبيرة للمزارعين، وفرصًا تصديرية واسعة لدول الاتحاد الأوربي، حيث تكون درجات الحرارة منخفضة في هذا التوقيت.

برأيك.. ما هي الإستراتيجية الواجب اتباعها لتحسين محصول القمح في مصر؟
يمكن تحسين محصول القمح في مصر عبر إتباع إستراتيجية مكونة من أربعة محاور؛ هي التنمية الرأسية عبر تحسين إنتاجية الأراضي، والتنمية الأفقية عبر زيادة إجمالي المساحة المزروعة بالقمح، إضافة إلى ترشيد الاستهلاك وتحسين الحوافز السعرية للمزارعين.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟
باستخدام الأصناف عالية الإنتاج، وزيادة إنتاجية الفدان، واستنباط الأصناف الجديدة، علما بأن الطاقة الإنتاجية للأصناف المستخدمة حالية تتراوح بين 15 إلى 18 أردبا للفدان، ويمكن زيادتها إلى 24 أردبا للفدان باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة وتطوير الإرشاد الزراعي.

وماذا عن سبل توزيع المساحة المزروعة بالقمح؟
يمكن ذلك عبر زيادة رقعة الأراضي التي يمكن استصلاحها وزراعتها بالقمح، حيث يمكن الوصول بمساحة القمح عام 2020 إلى 4 ملايين فدان، بزيادة قدرها مليون فدان، وذلك بمناطق التوسع بكل من شرق الدلتا وسيناء والوادي الجديد، وشرق العوينات، وزراعتها من المياه التي يمكن توفيرها نتيجة التوسع في تطبيق الري السطحي المُرشد في الأراضي القديمة بالوادي والدلتا، بدلا من الري بالغمر، مع ضرورة التخطيط من الآن لزيادة مساحة القمح لتصل إلى 5 ملايين فدان بحلول عام 2030.

وكيف يمكن ترشيد الاستهلاك والحد من الفقد في ظل زيادة كميات القمح المستورد سنويا؟
عن طريق تحسين صناعة رغيف الخبز البلدي، والتوسع في خلط دقيق القمح بدقيق الذرة، وكذلك العمل على عدم تسرب القمح والخبز لتغذية الحيوان والدواجن والأسماك، فقد تسبب إنشاء الأفران البلدية بكل قرية على اعتماد الفلاحين على الخبز المدعوم مما زاد من تسرب الخبز، كما لا بد من تحسين الحوافز السعرية للقمح للتشجيع على زراعته في الأراضي القديمة والجديدة، وذلك بهدف الوصول إلى المعدلات المعقولة للاستهلاك وهي في حدود 150 كيلوجرامًا للفرد سنويا، بدلا من المعدل الحالي والبالغ 180 كيلو جرامًا في العام للفرد، أيضا يمكن التفكير في إنتاج رغيف الخبز من دقيق الذرة بالكامل مثل بعض الدول منها المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، مما يستدعى بالضرورة التوسع في مساحة الذرة الصفراء والبيضاء والرفيعة، فضلا عن التوسع في زراعة قمح الديورم وتصنيعه، إضافة إلى ذلك يجب إعادة هيكلة منظومة الخبز المدعم لضمان وصوله لمستحقيه، والتحول تدريجيا من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، فضلا عن تشديد الرقابة على المخابز، مما يحد من استهلاك القمح ويحقق العدالة الاجتماعية.

وماذا يتطلب الوصول لهذا الهدف؟
يجب تثبيت مساحة زراعة القمح عند 3 ملايين فدان سنويا، والعمل على تقليل مساحة الأرز إلى 1.4 مليون فدان، بدلا من 2 مليون فدان حاليا ووقف تصديره للخارج، مما يوفر المياه اللازمة للتوسع في زراعة الذرة والذرة الرفيعة خلال فصل الصيف لتصل مساحتهما إلى 3.5 ملايين فدان، تنتج ما يزيد على 15 مليون طن من الذرة تكفي لتأمين مليون طن يتم خلط دقيقة الذرة بدقيق القمح في صناعة الخبز البلدي.

هل صحيح أن مصر تعاني من نقص حاد في الصوامع؟
نعم.. فعدد الصوامع لا يكفي لاستيعاب تخزين الإنتاج المحلي من القمح، حيث إن مصر بحاجة لإنشاء 250 صومعة، كما أنها تفقد نحو 66 ألف طن سنويا نتيجة عيوب تخزين القمح.

يرى البعض أن القمح المستورد أفضل بكثير من المحلي.. ما مدى صحة هذا؟
بالعكس.. فالقمح المصري أجود من المستورد بكثير، لكن مافيا استيراد القمح هم من أطلقوا تلك الشائعات، فهم يحققون مكاسب خيالية من صفقات استيراده من الخارج، رغم أنه يكون غالبا سيئا وفي بعض الأحيان غير صالح للاستخدام الآدمي.

هل يؤثر بناء سد النهضة الإثيوبي بالسلب على نشاط الزراعة؟
بالطبع، فإنشاؤه سيترتب عليه خفض حصة مصر من المياه، والتي تعد بدورها كارثة بكل المقاييس، وبدون شك سيؤثر ذلك سلبا على الأراضي الزراعية، والمساحة الصالحة للزراعة، الأمر الذي يستوجب تطوير نظام الري في مصر، واستخدام الطرق الحديثة مثل الري بالتنقيط والري السطحي المرشد، مما سيتيح زراعة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الزراعية.

طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا مشروعا قوميا لاستصلاح 4 ملايين فدان.. ما رأيك في هذا المشروع؟
بدون شك هذا مشروع قومي رائع، وسيساهم في إحداث نقلة نوعية كبيرة في المجال الزراعي والصناعي، كما يوفر فرص عمل جديدة للشباب ويحد من البطالة.

برأيك.. كيف يمكن تعظيم الاستفادة من ذلك المشروع؟
أولا يجب أن يقتصر دور الدولة في هذا المشروع على استصلاح الأراضي فقط وتوزيعها على شباب الخريجين، وذلك في إطار إستراتيجية ورؤية واضحة للمشروع، بعيدًا عن أيه تدخلات حكومية فيه.

ولماذا تنادي بعدم تدخل الدولة؟
لأنه ببساطة الدولة صانع فاشل وتاجر فاشل وكذلك مزارع فاشل، فالأمل معقود على القطاع الخاص لإنجاح هذا المشروع، كما أن تدخل الحكومة في تجربة التعاونيات ساهم إلى حد كبير في فشل المشروع.

وماذا يحتاج قطاع الزراعة في مصر لتطويره؟
لا بد من تأمين مستلزمات الإنتاج، وتوفير الأسمدة والتقاوي الجيدة، وتحديث أدوات الزراعة، وإذا لم يتحقق ذلك فمصر مقبلة على كارثة حقيقية؟

ولماذا هذا التشاؤم؟
ليس تشاؤما على الإطلاق وإنما يجب التعامل مع الأزمات بشكل صحيح، حيث إن نقص الغذاء يعد من الأمور المهمة التي تدخل في نطاق الأمن القومي.

خسرت مصر الكثير بسبب التعديات على الأراضي الزراعية.. ما هو الحل لتلك المشكلة؟
بسببها فقدت مصر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية العالية الإنتاجية، وهو ما يستوجب تشديد العقوبات على المخالفين للحفاظ على ما تبقى من الرقعة الزراعية، كما لا بد من مراقبة الرقعة الزراعية في مصر بالأقمار الزراعية، وإزالة أي تعديات في بداية إنشائها قبل أن تصبح أمرًا واقعًا وتزيد التعديات.

وما هي أقصى عقوبة من وجهة نظرك؟
أطالب بنزع ملكية جميع التعديات على الأراضي الزراعية، على أن تؤول جميع المباني المخالفة للدولة، بالإضافة عن توقيع غرامة على المخالفين، وهي عقوبة من وجهة نظري رادعة للمخالفين، كما ستساهم في حل أزمة الإسكان، حيث يمكن أن تبيع الدولة تلك المباني المخالفة للشباب بأسعار منخفضة على غرار وحدات الإسكان الاجتماعي، كما أن إزالة التعديات على الأراضي الزراعية لن يفيد أي شيء، خاصة أن الأرض التي تم التعدي عليها، لن تكون صالحة للزراعة مرة أخرى، ومن ثم فالاستفادة من تلك التعديات أفضل بكثير من إزالتها.

وكخبير زراعي.. ما هو المطلوب من مجلس النواب المقبل فيما يخص قطاع الزراعة؟
مجلس النواب المقبل يعد الأخطر في تاريخ مصر، بسبب المخاوف من عودة جماعة الإخوان الإرهابية مرة أخرى، ودخول الجيل الثالث والرابع للإخوان، والذي لا نعلم عنهم الكثير، كما أن تعديل قانون الزراعة يجب أن يكون على رأس مجلس النواب المقبل، خاصة أن القانون رقم 66 لسنة 1966 بحاجة للكثير من التعديلات، فضلا عن استحداث قوانين جديدة لتشجيع وتنظيم العمل بالقطاع الزراعي.

اسمح لي أن أعود بسيادتك للوراء.. ما هي أسباب دخولك لكلية الزراعة؟
دخلت كلية الزراعة عام 1952، وكانت الدولة المصرية تمنح في ذلك الوقت خريجي كليات الزراعة من 40 إلى 45 فدانا، وكان ذلك سبب التحاقي بالكلية، ولكن قيام ثورة 1952 حال دون حصولي على تلك الأفدنة.

وهل كانت الحكومة المصرية أيام الملكية تهتم بخريجي كليات الزراعة؟
بالطبع.. ليس فقط خريجي كليات الزراعة، وإنما خريجي المعاهد الزراعية والثانوية الزراعية، حيث كانت تمنح الحكومة خريجي المعاهد الزراعية المتوسطة من 30 إلى 35 فدانا.

ما هو نصيب العمل السياسي في حياة "أبو القمح"؟
لم أمارس العمل السياسي طوال حياتي، ولم أنضم لأي حزب، بالرغم من العروض التي تلقيتها في الماضي للانضمام للحزب الوطني، فأنا لا أحب العمل السياسي على الإطلاق.

مكتب سيادتكم بمركز البحوث الزراعية يغلب عليه الطابع الأثري.. هل يمكن أن تسرد لنا تاريخ هذا المبنى؟
هذا يسمى مبني "الفيلا"، وتم إنشاؤه عام 1889 أي قبل إنشاء الوزارة والتي تم تأسيسها في 20 يونيو عام 1913، وأشغل هذا المكتب منذ أكثر من 24 عامًا، حتى أن البعض يطلق عليه فيلا عبد السلام جمعة.


================
معلومات عن الدكتور عبد السلام جمعة
• تاريخ الميلاد: 12- 1- 1935
• تخرج في كلية الزراعة جامعة الإسكندرية عام 1956 وحصل على الدكتوراة من جامعة ولاية نورث داكوتا الأمريكية عام 1973
• التحق بالعمل بمركز البحوث الزراعية منذ 14- 2- 1957 وحتى الآن.
• شغل العديد من المناصب الإدارية الأكاديمية منها رئيس مركز البحوث الزراعية خلال الفترة من 13- 5 - 1993 وحتى 11- 11- 1995
• نقيب الزراعيين من عام2007 وحتى الآن
• حصل على العديد من شهادات التقدير من كل من وزارة الزراعة المصرية عام 1991، ووزارة الزراعة الأمريكية عام 1986
• حاصل على جائزة مبارك في العلوم التكنولوجية «جائزة النيل حاليا» عام 2005.
• حاصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الزراعية عام 1994.
• ساهم بشكل رئيسي في إعداد إستراتيجية الزراعة في الثمانينيات والتسعينيات «1997- 2017»، كما ساهم في إعداد إستراتيجية الزراعة المصرية «2010-2030».







الجريدة الرسمية