رئيس التحرير
عصام كامل

فوائد دول الشرق الأوسط من الصراع الروسي الأوربي.. منافع اقتصادية من حرب النفوذ حول أوكرانيا.. تقارب سياسي واقتصادي نظري.. وتخوفات من عقوبات أوربية للتعاون مع روسيا وخرق القرار

الاوضاع في اوكرانيا
الاوضاع في اوكرانيا - صورة ارشيفية

"هل تستفيد دول الشرق الأوسط من الصراع الروسي الأوربي حول أوكرانيا"، تساؤلا طرحها تقرير لوحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز الإقليمي للدراسات، طارحا مسألة توجه روسيا إلى الشرق الأوسط ردا على العقوبات التي فرضها الغرب عليها، ومدى إمكانية استفادة الشرق الأوسط من ذلك.


ولفت التقرير إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والدول الأوربية على خلفية الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية، حيث فرض الاتحاد الأوربي عقوبات على الاقتصاد الروسي، ردت عليها موسكو بحظر الواردات من الاتحاد الأوربي.

عقوبات نظرية

وأوضح التقرير إلى أنه بالرغم من أن هذه العقوبات توفر، نظريا، فرصا سياسية واقتصادية لعودة التقارب بين روسيا ودول الشرق الأوسط، خاصة أن أغلب تلك الدول تعاني من أزمات اقتصادية عقب الثورات العربية في٢٠١١، وفي الوقت نفسه ترغب في إحداث توازن إقليمي للنفوذ الأمريكي في المنطقة، إلا أن ثمة تحديات سياسية واقتصادية عديدة تواجه هذا التقارب الروسي- الشرق أوسطي، أهمها أن الهياكل الإنتاجية لأغلب دول منطقة الشرق الأوسط غير مرنة، بما لا يسمح بالاستفادة من الفرص السانحة، فضلا عن أن مثل هذا التقارب ربما يؤثر سلبيا على علاقات دول المنطقة مع الولايات المتحدة والدول الأوربية.

الشرق الأوسط بديلا

ولفت التقرير إلى أن اتجاهات عديدة رأت بأن هناك فرصة لتنمية وتوسيع العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودول الشرق الأوسط، إثر تشديد العقوبات الاقتصادية من قبل الغرب، ووفقا لذلك فإن عودة العلاقات الروسية إلى طبيعتها تجاه كثير من دول المنطقة ربما تكون مقدمة لتعميق العلاقات التجارية ومساندة اقتصاداتها. ويدعم ذلك التصور وجود مصالح سياسية واقتصادية مشتركة، حيث يحتاج كل طرف منهما إلى الآخر.

و على المستوى السياسي، تسعى روسيا إلى دعم نفوذها، ولذا عملت خلال السنوات العشر الماضية على تفعيل ملحوظ لعلاقاتها بدول المنطقة، حيث استطاعت إعادة إطلاق علاقاتها مع حلفائها التقليديين في المنطقة على أسس جديدة، وفي المقابل تحتاج دول المنطقة إلى التعاون مع روسيا من أجل إحداث توازن إقليمي، خاصة في ظل المواقف الروسية الإيجابية تجاه بعض التطورات في المنطقة، على غرار ثورة يونيو في مصر، حيث سارعت مع اندلاع الاحتجاجات إلى تأييد التحرك الشعبي المصري ومساندته.

أما على الصعيد الاقتصادي، فيمكن القول إن روسيا تسعى إلى شراكة استراتيجية بالمعنى الاقتصادي والتقني، ذات عائد اقتصادي مباشر لها، وعائد تنموي حقيقي لدول المنطقة.

وأشار التقرير إلى أنه وفي هذا الإطار، تتركز مجالات التعاون بين روسيا ودول المنطقة في قطاعات رئيسية ثلاث تتمثل في الطاقة، والتعاون التقني، والتعاون العسكري، فمع تصاعد وتيرة الخلافات السياسية بشأن أوكرانيا، قد تسعى موسكو إلى محاولة إعادة هيكلة التحالفات العالمية للطاقة، وتكوين تحالف جديد من الدول المنتجة للنفط. وفضلا عن أن منطقة الشرق الأوسط تكتسب أهمية خاصة لدى موسكو، التي تعتبرها سوقا مهمة لعقد صفقات بيع للأسلحة الروسية، فإن المنطقة تشهد، من ناحية أخرى، تزايدا ملحوظا في الطلب على تكنولوجيا الطاقة النووية للأغراض السلمية؛ وهو ما يتيح لروسيا الفرصة في الحصول على نصيب من هذا الطلب.

عقبات عديدة

ويشير التقرير إلى أن التعاون المشترك بين روسيا ودول المنطقة يواجه تحديات عديدة على المستويين السياسي والاقتصادي، تحول دون استفادة دول الشرق الأوسط من الصراع الراهن بين روسيا والغرب حول الأزمة الأوكرانية، إذ يرتبط تطور العلاقات الروسية-العربية خلال العقد القادم بالإرادة الروسية، ومدى القدرة على دعم وتطوير الشراكة في المجالات الاقتصادية والتقنية، وكذلك العسكرية، والحفاظ على التفاهمات السياسية والحضارية القائمة بين الجانبين.

ويضيف أن اتجاه دول المنطقة إلى تفعيل تعاونها مع روسيا يمكن أن يثير استياء دول الاتحاد الأوربي التي وجهت تحذيرا قويا للدول التي ترغب في استغلال الأزمة الأوربية-الروسية لرفع صادراتها الزراعية إلى السوق الروسية لتعويض المنتجات الأوربية التي تعاني من الحظر لأسباب سياسية، حيث يرى الاتحاد الأوربي أن شركاءه لا يجب أن يستغلوا الأزمة الحالية مع روسيا لتحقيق أرباح على حساب مصالح الأوروبيين.

ويلفت التقرير إلى أن هذا التقارب من شأنه تهديد الاتفاقات التجارية الموقعة بين بعض دول المنطقة والاتحاد الأوربي، فإن تفعيل التعاون التركي- الروسي في ظل الأزمة الأخيرة ربما يضع أيضا عراقيل إضافية لإمكانية حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوربي، وأنه بالنظر إلى المكون السلعي للصادرات العربية والروسية، يمكن القول إن ثمة تشابها واضحا من حيث كبر حجم مساهمة النفط والغاز في الصادرات، ففي روسيا تصل نسبة النفط والغاز في صادراتها السلعية إلي 10%، في حين تبلغ في الصادرات العربية  10% ، أي إن الصادرات العربية والروسية متنافسة وغير تكاملية، فكلاهما -بمعايير التنمية- يصدر سلعة أولية يعتمد عليها اقتصادهما.


ويؤكد التقرير أن بهذا فإن روسيا ستواجه صعوبة بالغة، وستحتاج سنوات طويلة لكي تعتمد على المنطقة كشريك بديل عن الاتحاد الأوربي، كما أنها تسوق نفسها في المنطقة في مجالات التنقيب عن النفط والبنية الأساسية في مجالات السكك الحديدية والكهرباء، وهي مجالات تسبقها فيها الشركات الأوربية والأمريكية من حيث البعد الزمني والحضور في السوق، وكذلك فيما يتصل بالتكنولوجيا المتقدمة في هذه المجالات.

ويتوقع التقرير أنه لربما تلجأ روسيا إلى تصدير النفط والغاز للدول العربية غير النفطية، إلى جانب تصدير القمح الروسي للدول التي تعاني من عجز في الحبوب، ولكن المشكلة التي تواجه الدول العربية غير النفطية، أو التي تعاني من نقص في الحبوب، تتمثل في التمويل، بما يعني أنه إذا ما أقدمت روسيا على التعامل في ضوء هذا العجز المالي، فإن ذلك سيفرض مخاطر مالية كبيرة على صادراتها الزراعية.

ويضيف أن محاولات روسيا استيراد الخضراوات والفاكهة من دول المنطقة لتعويض ما كانت تستورده من الفواكه والخضراوات والعديد من السلع الغذائية الأخرى من دول أوربية؛ تمثل تحديا آخر لدول المنطقة في ظل ضعف الهيكل الإنتاجي لمعظمها، والذي لا يتحمل زيادة إنتاج بالشكل المطلوب لتلبية الحاجة الروسية، وإن كان الجانب التركي هو الأقدر على تلبية هذه الاحتياجات في ظل مرونة الهيكل الإنتاجي، حيث أبدى اتحاد المصدرين الأتراك تفاعلا مع زيادة طلبات الشركات الروسية على المنتجات التركية، وأعلن قدرته على تلبية الطلب المتزايد على الفواكه والخضراوات.

تخوفات من عقوبات أوربية

وعلى جانب آخر، من المتوقع أن تعيد بعض الدول العربية النظر في زيادة استثماراتها في روسيا بسبب ما فرض وسيفرض من عقوبات اقتصادية مقبلة، وخاصة الاستثمارات المباشرة، حيث إنها ربما تواجه مخاطر سياسية في الفترة المقبلة، وبالفعل في ضوء التطورات السياسية في روسيا خلال الأشهر الخمس الأولى من ٢٠١١ خرجت رءوس أموال وصلت، وفقا لبعض التقديرات، إلى نحو ١٠ مليارات دولار من الأسواق الروسية، ما يعني أن روسيا أصبحت، طبقا لاتجاهات عديدة، تشكل خطرا على رءوس الأموال العالمية.

وختاما يمكن القول بأن العقوبات المتبادلة بين الاتحاد الأوربي وروسيا برغم ما توفره نظريا من فرص للاستفادة من تعظيم التعاون الاقتصادي مع دول الشرق الأوسط وروسيا تظل محكومة باعتبارات سياسية واقتصادية تحول دون الاستفادة منها.
الجريدة الرسمية