رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.."بائعو كتب الأرصفة" تفانوا في إشباع جوع القراء فقتلتهم الحاجة.."إبراهيم كامل": لا أحصل على ثمن وجبة طعام والقهر قادني لعملية قلب مفتوح.. عم رمضان:"ادَّبِّست في الشغلانة دي"

فيتو

يشعرون كأنهم داخل دائرة كبيرة لا يستطيعون الخروج منها، كلما ظنوا أن الفرج اقترب تغلق أمامهم كل الأبواب من جديد، أولئك الذين يصبغهم حر الشمس يوميا، ويغرقهم مطر الشتاء إذا ما حل أوانه، أغلبهم في هيئة رثة تعكس مدى تعاستهم، مرت عليهم ثورة تلو الأخرى فظن بائعو الأرصفة أن تنوير العقول دنت قطوفهُ وأن القراءة والثقافة تستعيد مكانتها لكن هيهات فلا الثورة غيرت من مكانهم ولا مكانتهم شيئا.


عادة يموت الوالد فيتوارث أبناؤه ماله، ممتلكاته، مهنته، أما هؤلاء فقد ورثوا حبرا على ورق، هم بائعو الكتب والصحف على الأرصفة، فأغلبيتهم توارثوا المهنة ولم يعملوها حبا لذاتها، أو أنهم أحبوها ولكنها لم تحبهم لتعطيهم مقابلا لتعبهم وكدهم اليومي على الأرصفة.

"فيتو" التقت بعض بائعي الكتب على أرصفة وسط البلد بالقاهرة، أبدى معظمهم ندمهم الشديد للعمل في هذا المجال، ليس كرها في المجال نفسه وإنما لقلة مريديه.

"عم رمضان" أحد الباعة المشهورين في ميدان التحرير، شعره الأبيض الفضي يعبر عن سنواته الـ 63، يجلس على كرسيه بجوار أكوام من الصحف والمجلات والكتب، ويعاونه في ذلك بعض الشباب، يعمل متعهدا وبائعا للصحف والكتب منذ ما يقارب الخمسين عاما.

أشد الندم
يقول إنه توارث هذا المجال عن أبيه الذي كان يعمل في بيع الكتب في باب اللوق، عند سؤاله عما إذا كان نادما على عمله في هذا المجال، راح بنظره بعيدا إلى الجهة الأخرى وقال: ندمت جدا أنني أكملت مسيرة أبي في هذا المجال ولم أغيرها؛ وذلك لأن مريدي الكتب والصحف أصبحوا نادرين جدا، حتى الكتاب والصحفيين الآن يختلفون عن أمثالهم في العهود السابقة.

حفيد البائع إبراهيم الدكش بثيابه المهندمة ومظهره الأنيق، الذي لا يبدو به أغلبية بائعي الأرصفة المنتشرين في جميع أرجاء المحروسة، رفض رفضا مطلقا دون إبداء أسباب أن تلتقط الكاميرا أي صور له وقال: جدي كان مشهورا جدا في هذا المكان، وقد ورث أبي المهنة عنه ثم توارثتها أنا.

فسألته: هل تربح من بيعك للصحف والجرائد؟.. وأجابني: لا أربح على الإطلاق، بمعنى أصح أنا "اتدبست" في هذه الوراثة، ولكني أعمل في مجال آخر كي أستطيع الحياة.

ذكريات مؤلمة
أما عن "عم إبراهيم كامل" البائع في شارع جانبي متفرع من طلعت حرب، فرفض الكلام عن تاريخه في هذه المهنة خوفا من استرجاع ذكرياته المؤلمة التي ألمت به نتيجة هذه المهنة المتعبة.

وجبة واحدة
أكد أنه لا يريد الحديث كثيرا ولا يريد لا تصويرا ولا صحافة، فهو متعب جدا ولا يريد استرجاع كل هذه الذكريات، ولكن بعد محاولات في إقناعه قال: "ما يمكنني قوله إنني توارثت هذه المهنة عن جدي وأبي، وأعمل بها منذ ثلاثين عاما، ولا أجد منها ما يكفيني لشراء وجبة واحدة خلال اليوم".

قلب مفتوح
أضاف: الصحافة ليست مهنة البحث عن المتاعب وإنما بائعو الصحف والكتب هم من تأتيهم المتاعب والفقر على طبق ليس من فضة ولا ذهب وإنما طبق مكسور ورديء لا يصلح حتى لأولويات وبدائيات الحياة البسيطة، ما ربحت من هذه المهنة إلا عملية قلب مفتوح من فرط قهري.

وكشف "عم إبراهيم" عن قميصه فظهر ندبا من أسفل رقبته وحتى منتصف صدره يدل على إجراء عملية قلب مفتوح، وقد أرجع السبب في ذلك إلى قهره من قلة المال الذي يتلقاه من بيعه على الأرصفة، وعند سؤاله عن بيعه للسجائر الذي يضعها مع "فرشه" للكتب، أوضح أنه لا يرى في الصحف مكسبا يكفيه لذا يبيع السجائر لأن زبائن الصباح الباكر كثيرا ما يسألونه عما إذا كان يبيع السجائر، وذلك لإغلاق معظم محال السوبر ماركت في الصباح.

تغيرات عكسية
هذا ما آلت إليه أمور الثقافة في المجتمع، ندرة المثقفين والقراء، وذلك نظرا لسرعة المجتمع وسرعة تغيراته التي في أغلب الأوقات تكون تغيرات عكسية، بالإضافة إلى إهمال وزارة الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي إلى مبادئ إنشاء جيل قاريء مثقف، ذلك لأننا نرى من التقدم ما يسهل علينا المعيشة اليومية، غير مدركين أن مجتمع لا يقرأ لا يمكن له أن يتقدم.

وأوضحت نسب الإحصاءات الأخيرة، أن المواطن العربي يقرأ كتابا واحدا فيما يقرأ المواطن الأوربي ثلاثين كتابا، والإسرائيلي يقرأ أربعين كتابا خلال العام.
الجريدة الرسمية