تحطيم القانون بالقانون!
فجأة وعلى الرغم من الرفض السابق لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التصالح على مخالفات البناء على الأراضى الزراعية، يتم حاليا إقرار قانون للتصالح وعلى أساس أنه سوف يحقق مبالغ مالية تصل إلى 200 مليار جنيه.
القانون الجديد يمثل ضربة لمصداقية الدولة وكسرا لهيبة القانون والسير وفقا للمثل القائل اللى تعرف ديته اقتله.. نعم، أرى أن التشريع الجديد يمثل إهدارًا لمبدأ القانون ويمثل تأكيدا على تحطيم لسيف العدالة، وأسأل من وقف خلف مثل هذا التشريع ولو كان هو رئيس الجمهورية شخصيا: كيف تتحقق العدالة وقد قامت آليات وبلدوزرات الدولة بإزالة آلاف المبانى المخالفة وتم تسويتها بالأرض..
مع العلم بأنه لن تعود الأرض زراعية ولن يتم تحصيل قيمة الاستثمارات التي تدفقت في بناء تلك المخالفات؟. إذن لماذا يطبق القانون على فريق من البشر ويتم تجاهل فريق آخر؟. لماذا يهدم مبنى ويبقى على الآخر رغم أنه بجواره؟.وعلى أي أساس أن الأول خضع لقانون الهدم والثانى تم تفصيل قانون آخر لصالحه ليحميه حتى ولو كان بغرامة؟!.
أقول للسيد رئيس الجمهورية إن العدل هو أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، وأن الدولة التى تجيد تفصيل قوانين لتنقذ فئة مما تم تنفيذه على فئة أخرى، هى دولة لن ينصلح حالها.. إنها هى نفس الدولة التى بدأت منذ ثلاثين عاما تصنع قوانين للتصالح فى البناء على الأراضى الزراعية ورغم الغرامات والحبس إلا أنها تسببت فى تآكل ملايين الأفدنة من حيز إنتاج رغيف الخبز.. وهى نفس الدولة التى تصالحت على العشوائيات فشوهت جسد مصر.. وهى الدولة التي صنعت الاستثناءات فولدت الجهل والفقر والمرض، فامتلأت بملايين العاطلين وملايين المرضى، وأصبح الفقر عنوانا عريضا يبتلع الدولة التي انحصر الغنى والرخاء فيها على فئة من رجال الأعمال الذين صنعهم الفساد.
إن أول درج في سلم فساد الدولة هي الاستثناءات، وهى القوانين التي تُصنع وتُفصل لتحقق مزايا لأفراد ربما أصبحوا أقوى من الدولة، وأقوى من الرئيس أيضا!.
إن ما يحدث في قانون التصالح في البناء على الأراضى الزراعية سيفتح باب التهام ما تبقى من أراض زراعية مرة أخرى، وتطبيقا للمثل السابق الإشارة إليه "اللى تعرف ديته اقتله". حتى ولو كان التصالح بغرامات تصل إلى ضعف قيمة المبانى.
وعلينا أن ننتظر ملايين المخالفات قريبا مثلما ننتظر أن تستمر العشوائيات في كل مكان وأراهن أن كارثة العشوائيات هي الأخرى مثل انتشار المقاهى والتي تنشأ يوميا وتتزايد مع استمرار فساد المحليات وتحولها إلى خلايا سرطانية تنتشر في كل أنحاء مصر لتتحول إلى بؤر صديدية تزيد من توزيع المخدرات والأمراض الاجتماعية وتستولى على الطرق وتسد أبواب العمارات السكنية ولنسير في نفس الاتجاه الذي سرنا فيه منذ ثلاثين عاما، حتى لو أنشأت مصر قناة سويس جديدة وشبكات حديثة من الطرق واستصلحت ملايين الأفدنة وغيرها من المشروعات.
على الحكومة والنظام أن يعلما أنه في حالة استمرار تقنين الأخطاء من خلال تفصيل التشريعات، لن تتقدم الدولة، بل ستتأخر وتتراجع إلى ذيل قائمة الدول المحترمة، لأن الفارق بين الدولة المحترمة والدولة غير المحترمة هو تفعيل القانون!.