القبائل.. والأمن القومي المصري
منذ أكثر من 10 سنوات وأنا أكتب وأحذر من خطورة التقسيم القبائلي لمصر..ومازلت أحذر من أنه سهل ووارد لأنه تم تجريبه في دول كانت تظن قياداتها أيضا أنه مستحيل..ويجب التعامل مع القضية بعقلية واقعية تتخذ الأمن القومي وفقط محددا في التعامل..أمريكا راهنت على التفتيت الطائفي وفشلت وراهنت على الحكومات الإسلامية وفشلت..هي الآن تلعب بورقتها الأخيرة في مصر عن طريق زرع التطرف وكراهية النظام في قلوب أبناء القبائل وتعزيز فكرة الانفصال..
نعم القبائل لها خصوصية..ولكنها لا يجب أبدا أن تكون خارج السياق العام للقانون الذي يسري على الجميع..وأنا هنا لا أطعن في وطنية القبائل المصرية فهم وطنيون وقدموا المال والدم في مواقف كثيرة..ولكني أحذر دائما من الحلقات الرخوة وما تروج له وتريده أمريكا وإسرائيل.
أكتب وأعلم أن قضية القبائل شائكة وفيها ما فيها من أخذ ورد ولكن الواقع حولنا يؤكد على ضرورة التعامل مع القضية بمنتهي الجدية والحزم اللازمين لفرض هيبة الدولة على كل شبر من الأرض المصرية.
الجوار الجغرافي يشهد على أن أمريكا والصهيونية عينها على المناطق الرخوة جغرافيا وفكريا وهي القبائل..في ليبيا تعلن قبائل الشرق التي يسيطر عليها الجماعات الإسلامية المتطرفة الرغبة في الانفصال ولنا أن نسأل وماذا عن قبائل الغرب المصرية التي لها علاقات تاريخية مع قبائل الشرق الليبية.؟ وهذا السؤال أيضا يتبعه سؤال آخر هو "ماذا أعددنا لتحصين شباب القبائل في الغرب وقبله في سيناء والجنوب؟
ودعوني أقدم لكم نموذجا سريعا لما تفكر فيه أمريكا بمراكز دراساتها ومعهم مراكز الدراسات الإسرائيلية:
فقد نشرت مجموعة الأزمات الدولية دراسة أطلقت عليها "مسألة سيناء المصرية" ركزت فيها على الوضع القبائلي وتركز هذه الدراسة بأسلوب وضع السم في العسل على أن سيناء عبارة عن فسيفساء من التناقضات وهي تسير على خطي المستشرق اليهودي برنارد لويس في كتابه المهم (فسيفساء الشرق الأوسط) فتري أن سيناء تحتوي على مجموعات غير متجانسة من البشر..وتحاول الدراسة تأكيد غلبة العناصر غير المصرية في سيناء فتقول إن الفلسطينيين يشكلون جزءا كبيرا من السكان حيث تقول إنهم يمثلون ثلث سكان العريش.
و تضيف الدراسة بأنه لطالما كانت سيناء (في أحسن الأحوال) منطقة شبه منفصلة. ولطالما كانت هويتها المصرية بعيدةً كل البعد عن كونها أمرا ثابتا تمامًا. ظلت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي من عام 1967 إلى 1982. وقضت اتفاقية السلام لعام 1979 بإخضاعها إلى نظام أمني خاص وهذا ما يتيح لمصر حرية العمل العسكري فيها. إن وضع سيناء الجيوسياسي (تمثل كامل خط حدود مصر مع إسرائيل وقطاع غزة) يجعلها ذات أهمية استراتيجية لكل من مصر وإسرائيل كما يجعلها حساسةً لتطورات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولأن الشىء بالشىء يذكر فإننا لا يجب أن نتغافل عن مطلب إيهود باراك منذ فترة قصيرة من واشنطن الضغط على مصر لتأديب قبائل يتهمها بتزويد غزة بالسلاح والوقود بل وصل الأمر إلى المطالبة بترحيلهم - قسريا - وهي قبائل (ارميلات - سواركة - ترابين - تياها - عزازمة - احيوات - وقبائل الشلالفة والقلاعية والملالحة) وقد كان هذا أهم الموضوعات التي أثارتها إسرائيل مع كل من وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس في أكثر من مناسبة وزعم باراك أن هذه القبائل على صلة بتنظيم القاعدة وبأنها بدوية فلسطينية وتقوم بعمليات التهريب ليحذر من أنه ما لم تتم السيطرة على القبائل السبع فإن الأسلحة سوف تصل للضفة الغربية قريبا..
إن التحرك الإسرائيلي – الأمريكي القادم في العالم العربي سوف يعتمد على الضرب في قلب نواة العالم العربي وهو القبيلة والعشيرة وسوف يتم البدء في تنفيذ أفكار زبيجينيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بضرورة إعاده العالم العربي إلى خريطة الدوله العثمانية فيما أسماه (عثمنة العالم العربي)..وما يتم في ملف القبائل في باكستان واليمن وليبيا والعراق ما هو إلا تمهيد لتوسيع هذا التحرك الذي ستكون سيناء أهم ضحاياه ويتبعه التعميم على باقي المناطق القبلية في مصر..فإلي متي الانتظار؟!