تراجيديا السيدة العجوز.. أزمة وطن
كانت تصعد سلالم المبنى الحكومى بصعوبة وبطء شديدين.. تلهث.. فتسمع شهيقها وزفيرها.. سيدة عجوز بيدها أوراق.. أخذت بيدها أعينها على ما تبقى من درجات السلم.. وصلنا إلى رواق دائرى هو الطابق الرابع، حيث مكاتب كبار المسئولين بمجلس المدينة.. تركتها وابتعدت عنها قليلًا، أسأل عن موعد وصول سيارات النظافة إلى الشارع الذي أقطنه، بدا السؤال صعبًا وكأنه فزورة.. كل موظف كان يخبرنى بموعد غير الموعد الذي أخبرنى به زميله.. أحسست بالاختناق، وكنت على وشك ارتكاب حماقة، فقررت الانصراف..
عدت إلى الرواق لأجد السيدة العجوز مازالت غارقة في حيرتها.. عرضت عليها المساعدة، هي قالت المساعد ربنا وحسبى الله ونعم الوكيل.. اقترب منا رجل وقال لها: ها؟ فكرتى في الكلام اللى قلتهولك؟ لم ترد السيدة وانخرطت في البكاء، ثم طلبت منى معاونتها على النزول والخروج بسرعة وكأنها تطلب الفرار من جهنم.. باختصار علمت منها أن منزلها القديم ذا الطابق الواحد بحاجة إلى ترميم خفيف حتى لا يطردها المالك ويحصل على قرار إزالة بألاعيب موظفى المجلس..
قالت إن قرار الترميم لابد أن يصدر عن المجلس.. داخت منذ أشهر ولا مجيب، هَرَسوا عظامها ومشاعرها وإنسانيتها بين شقى رحى الاستعلاء من جانب مسئول لا يعيرها اهتمامًا، وآخر يسألها الرشوة علنًا بلا خجل ولا رادع من ضمير أو دين، الرجل الذي قال لها هل فكرتى في الكلام اللى قلتهولك؟ موظف بنفس المكان.. كان الحل هو أن "تفتح مخها"، لكنها كما قالت لى العين بصيرة والإيد قصيرة، تعيش على معاش زوجها المتوفى الذي يكفيها بالكاد.. سرت أردد معها "حسبنا الله ونعم الوكيل".. انتهت الرواية كما جاءت على لسان الراوى.
الخلاصة أن مصر لم تتغير بعد ثورتين.. المراقبون يؤكدون أن الترهل والتسيب مازالا يسكنان جسد الجهاز الإدارى للدولة.. نحن أمام حالة مرضية لمجتمع أصيب عدد هائل من أبنائه بازدراء مواطنين مثلهم وضعتهم الظروف تحت رحمة الاحتياج إليهم، ومسئولين لا يحترمون ما ينبغى عليهم فعله من احترام الواجبات التي تفرضها عليهم مناصبهم.
ولكى أحدد الداء أطرح السؤال مع السائلين.. ما الذي يغرى بالتمادى في الأخطاء بل الخطايا وعدم المبالاة بمردود الأداء المستهين بالأصول والواجبات؟ أغلب الظن.. لا شىء يغرى بالتهاون والاستعلاء على الحق والواجب وهرس المواطن واستلاب حقوقه وآدميته إلا إحساس المسئول بأنه فوق القانون وفوق المواطن وأنه في بلد لا يحاسب فيه المخطئ مهما ارتكب من خطايا.
في تقديرى أننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الوطن، وأوجه كلامى للرئيس عبد الفتاح السيسي.. نحن بحاجة إلى الشعور بالآدمية والعدل في الحصول على الحقوق ما لم نخِلّ بأداء الواجب.