رئيس التحرير
عصام كامل

انفصال أقاليم ببلدان عربية يهدد اقتصاد دولها بالانهيار.. السودان تفقد عوائد النفط بعد إعلان دولة الجنوب.. تهديدات دول الجوار تهدد أحلام إقليم كردستان.. وضعف البنية التحتية عقبة في طريق "برقة"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال تقرير صدر عن المركز الإقليمي للدراسات في القاهرة، إن "الانفصال المحتمل لأقاليم في بلدان عربية مثل كردستان العراق وبرقة في ليبيا، يهدد اقتصاد الدول الأم بالانهيار، ويسبب مصاعب اقتصادية واجتماعية متعددة".


وبحسب التقرير، فإن أقاليم عديدة مهددة بالانفصال تستحوذ على موارد هائلة تمثل نسبًا كبيرة من اقتصاديات الدول الأم.

ولعبت العوامل الاقتصادية وقضايا التهميش والتنمية غير المتوازنة، جنبًا إلى جنب مع المتغيرات العرقية والطائفية، دورًا في انتشار واتساع نطاق الدعاوى الانفصالية؛ ما خلق حالة من التأييد الشعبي للمطالبة بالحكم الفيدرالي، مثل مطالبة إقليم كردستان العراق بتأسيس دولة مستقلة، وظهور دعوات لانفصال إقليم برقة في ليبيا.

مقومات اقتصادية
وكشف التقرير أن انفصال الأقاليم عن الدول الأصلية يفرض تداعيات جيوسياسية وأنماطًا جديدة من التفاعلات الإقليمية، كما ينتج تأثيرات اقتصادية تنسحب على الأقاليم ذاتها أو الدولة الأم، وفي حين يمثل بعضها فرصًا، فإن بعضها الآخر يفرض تهديدات كبيرة، خاصةً أن التجارب الدولية تشير إلى أن انفصال بعض الأقاليم عن الدولة يتسبب في اضطرابات اقتصادية للأخيرة، كما برز في الحالة السودانية بعد انفصال جنوب السودان، إذ فقدت السودان عوائد النفط التي كانت تشكل نصف الإيرادات الحكومية، فكان نفط الجنوب يمثل نحو ثلاثة أرباع إجمالي الإنتاج السوداني، وترتب على انقطاع إيرادات النفط اختلالات اقتصادية واسعة، مع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي بعد عام 2011، وتراجعت القدرات التصديرية السودانية، ما دفع الدولة لتبني سياسات تقشفية.

كردستان
ويعد إقليم كردستان العراق من أبرز الأمثلة على الأقاليم التي تسعى للاستقلال في منطقة الشرق الأوسط، وتشير التقديرات الدولية إلى أن الإقليم يمتلك من الإمكانات التي تؤهله - في حالة استقلاله - لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وعلى عكس العراق، فإن اقتصاد إقليم كردستان يعتبر أكثر تنوعًا، ويعتمد هيكل الاقتصاد على النفط والزراعة والسياحة بصفة أساسية، إضافةً إلى قطاعات أخرى، ويعطي هذا التنوع قوة لاقتصاد الإقليم، بما لا يعرضه لهزات كبيرة في حال تغير أسعار النفط.

ويمتلك الإقليم موارد نفطية هائلة، ستمكنه في حال انفصاله من تحقيق نمو اقتصادي، وزيادة الإنفاق الاستثماري الداعم لهذا النمو، ووفق بعض التقديرات، تبلغ احتياطيات النفط 45 مليار برميل، ونحو 100- 200 تريليون مكعب من الغاز الطبيعي، لتتخطى بذلك احتياطيات بعض الدول الرئيسية المنتجة للنفط، مثل نيجيريا.

وأنتج الإقليم في عام 2011 نحو 250 ألف برميل يوميًا، ومع هذه الاحتياطيات الضخمة يخطط الإقليم لإنتاج مليون برميل يوميًا في عام، تتضاعف إلى 2 مليون برميل في عام 2019؛ الأمر الذي سيزيد من الإيرادات في النهاية.

ومع استقرار الوضع الأمني في منطقة كردستان، فضلًا عن تقديمها عددًا من الحوافز الاستثمارية عبر إقرار قانون الاستثمار عام 2006 جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 14 مليار دولار.

وهو ما يؤكده عدد من التقارير الدولية، التي تشير إلى أن مناخ الاستثمار في الإقليم أكثر جذبًا للشركات مقارنة بالعراق، وتعتبر تركيا الشريك الاستثماري والتجاري الأول للإقليم حيث استحوذ الإقليم على 70 % من التبادل التجاري بين العراق وتركيا البالغ 12 مليار دولار.

تهديدات أمنية
ورغم ما يملكه الإقليم من موارد طبيعية كبيرة، وتبني سياسات جاذبة للاستثمار، فإنه يواجه تحديات ليست هينة في حال استقلاله، وتعتبر التهديدات الأمنية أبرزها، والتي من الممكن أن تعصف بالاستقرار الاقتصادي الحالي للإقليم وتأتي أغلب هذه التهديدات من الدول المحيطة، سواء تركيا أو إيران أو العراق ذاتها، حيث تتعرض الحدود الكردية - التركية، للعديد من العمليات العسكرية وعمليات القصف الجوي بالقرب من معاقل حزب العمال الكردستاني، وحزب الحياة الحرة في كردستان.

بالإضافة إلى ذلك، وخلال الحرب العراقية - الإيرانية، زرعت ملايين الألغام الأرضية داخل الأراضي الكردية، ولا تزال تلك الأراضي بحاجة لإزالة الألغام لجعل المنطقة آمنة، وهو ما يتطلب تكلفة كبيرة، كما أن التنظيمات المسلحة الإرهابية في شمال العراق تمثل أيضًا تهديدًا كبيرًا لمناخ الاستثمار في الإقليم.

برقة
في المقابل، يمتلك إقليم برقة نحو 80 % من احتياطيات النفط "عالي الجودة" في ليبيا، فضلًا عن أن تكاليف إنتاج النفط في برقة منخفضة نسبيًا، فإن قرب الإقليم من أوربا منحه أهمية جيوسياسية كبيرة، خاصةً أنه يمتلك العديد من الموانئ النفطية المطلة على البحر المتوسط.

ورغم أنه لا توجد مؤشرات تدعم من احتمالات استقلاله في الوقت الحالي، فإن النزعة الانفصالية تصاعدت في الإقليم، بعد أن أعلن زعماء بعض القبائل في برقة وعدد من السياسيين، بعد عام 2011، أكثر من مرة، عن تحويل إقليم برقة إلى إقليم فيدرالي يدير شئونه باستقلال، إلا أن مساعيه في ذلك لم تنجح حتى الآن.

أزمات
وكبقية أقاليم ليبيا، يعاني إقليم برقة من ضعف القدرات التنافسية، سواء على صعيد البنية التحتية، أو رأس المال البشري، وكذلك فعالية المؤسسات العامة، وهو ما يضع أمامه خطوات كثيرة يجب عليه اتخاذها لإصلاح مثل هذه الأوضاع.

وتبرهن تجارب الدول في المنطقة أن وفرة الموارد وحدها لا تلبي مقتضيات التطور والتنمية، إلا إذا تم استخدامها بشكل مثالي وفق خطط وبرامج مسبقة، وفي ظل بحث دول العال المتقدم عن بدائل النفط، ومع ظهور النفط الصخري، فإن الأهمية الإستراتيجية للنفط ستقل تدريجيًا، بشكل يفرض تحديات عديدة أمام اقتصاد الإقليم على المدى البعيد.

وتعتبر التهديدات الأمنية أيضًا من أكبر التحديات ليس في إقليم برقة فقط، وإنما في مختلف أنحاء ليبيا؛ حيث تنتشر الجماعات المسلحة ذات التوجهات السياسية المختلفة، التي تسعى إلى السيطرة على الموارد النفطية التي تمتلكها الدولة.

تداعيات محتملة
وقال التقرير إن "الانفصال المحتمل لإقليمي كردستان وبرقة عن العراق وليبيا على التوالي، يمثل تهديدًا كبيرًا لاقتصادات الدولتين، وسيفرض تداعيات اقتصادية ليست هينة".

ويمثل الانفصال المحتمل لإقليم كردستان عن العراق، خسارة كبيرة للموازنة العراقية التي تعتمد على النفط بنسبة تتخطى 90 %، مع تشكيل النفط الكردي نحو ثلث الاحتياطيات العراقية، وفي ظل ارتفاع في عجز الموازنة بلغ 6 % العام المنصرم.

أما في حالة استقلال إقليم برقة، وهو احتمال ما زال يواجه صعوبات عديدة، فسوف يفقد الدولة كثيرا من إيرادات النفط، خاصة أن هيكل الاقتصاد الليبي يعتمد بصفة أساسية على قطاع الطاقة بنسبة 80 % من الناتج المحلي الإجمالي؛ ولذا لن يكون أمام الدولة سوى البحث عن بدائل لتنويع اقتصادها، وهو ما لا يمكن تحقيقه على المدى القصير، الأمر الذي ربما تترتب عليه اضطرابات سياسية واسعة حال عجز الحكومة عن تحقيق المطالب التنموية المتزايدة، وقد يدفعها إلى مزيد من الاقتراض من المؤسسات الخارجية.
الجريدة الرسمية