رئيس التحرير
عصام كامل

موسم الهجرة إلى السماء..أيام مع العمالقة ( 3 )


ملخص ما سبق يقول: "رحل في أسبوع واحد تقريبا.. ثلاثة من ضيوفنا على برنامجنا "ضي الليل" أحد أشهر برامج الأولى المصرية قبل انتشار الفضائيات بشكلها الحالي..البرنامج الذي بدأ في 2002 واستمر لسنوات وقدمته الإعلامية القديرة عزة مصطفى وأخرجته مها راغب وترأسنا تحريره استضاف القمم المصرية والعربية في كل المجالات..منهم الثلاثة الكبار الذين تركونا الأسبوع الماضي بعد أن أدوا واجبهم تجاه وطنهم وأهلهم لكن عزاؤنا أنهم في مكان أفضل مما نحن فيه وعند من هو خير منا..وهم رسام الكاريكاتير الأشهر مصطفى حسين وأفضل وزراء التموين في مصر الدكتور أحمد جويلي والشاعر العربي الكبير سميح القاسم..

" كان الدكتور أحمد جويلي يريد بالفعل أن ينتقل بمجلس الوحدة الاقتصادية وبدأ مهامه بهمة ونشاط كبيرين..مشاريع عربية مشتركة تهدف إلى سوق واحدة وعملة موحدة..لذا لم يكن متفرغا بالشكل الكافي لإجراء حوارات تليفزيونية خصوصا وإحساسه أن كلامه قد يكون محرجا لمن تخلوا عنه وتركوه للاستبعاد..وموعد وراء آخر..وسببا للتأجيل بعد سبب حتى بدا الأمر محيرا..وذات يوم قررت أن اضغط على أخلاقه الكريمة وأدبه الجم وقلت له حرفيا "سيادة الوزير..رئيسة التليفزيون غاضبة من فريق العمل..وقد تلغي البرنامج بسبب تأخرنا في التسجيل مع حضرتك" ! وما أن قلت ذلك حتى تحول الدكتور جويلي إلى شخص آخر..وكأن انتفاضة سرت به وحولته إلى حيث توقعنا..وقال الرجل: "يلغي البرنامج ؟ وطاقمه أين يذهب؟ والعاملون والفنيون؟ حرام..لا يمكن أن أتسبب في قطع أرزاق الناس..حدد يا أستاذ أحمد الموعد والمكان وأنا معك من الآن"!!

بعد أيام كنا في نادي الصيد..واختار ضيفه في الحلقة وكان الكاتب الكبير عباس الطرابيلي..أكثر الصحفيين موهبة في الحكي وتذكر الحواديت والأحداث..وأشهد أن الدكتور جويلي وصل إلى مكان التصوير قبل أن أصل..وأدار حوار طويلا مع القديرة عزة مصطفى حتى وصلت..واستقبلنا بابتسامة لا تنسي..رحمه الله وقد قدم لبلده ما قدم..ورحل وهو يعيش في شقة متواضعة كأي موظف كبير لكنه ترك سيرة ومعارك تستحق كتابا !

في حين يظل لفقيدنا الثالث قصة في ذاته..فقد كان سميح القاسم أحد أبرز وأهم شعراء العربية والأرض المحتلة..كانت فدوي طوقان قد رحلت قبل عام تقريبا من التصوير معه في حين بقي محمود درويش الأكثر جماهيرية..في حين ارتبط اسمهما بشعر الثورة والمقاومة..حتى وإن ظل القاسم مرتبطا بفلسطين 48 لم يغادرها..وظلت أشعاره طلقات رصاص ضد الاحتلال..وفي حين اشتهرت طوقان بالرومانسية ودرويش بالرمزية..ظل القاسم مباشرا إلى حد القتال..

كان القاسم في مصر في زيارة بدعوة من أحد المهرجانات..وكان اختطافه واجبا..وسمح الرجل أن نختطفه..حتى إننا لم نتمكن من الحصول على أي موافقة للتصوير الخارجي بفضل الاستعجال..فقد أبلغتهم بوجوده ومغادرته بعد ساعات وعليهم تجهيز الكاميرات والفنيين..وهو ما جري على الفور..وكان التصوير في الدور الـ 27 بمبني ماسبيرو ليعطي انطباع التصوير الخارجي..وحتى تكتمل فكرة البرنامج استأذننا شاعرنا الكبير أن نختار له ضيفه الذي سيناقشه في بعض الأمور..وكان وقتها أخي الأكبر وأستاذي الجليل الدكتور عزازي على عزازي الناقد والأديب والمناضل البارز الراحل ومحافظ الشرقية الأسبق..وقد وافق على الفور !

رحمهما الله..قدما أكثر الحلقات بهجة..فقد ساهمت خفة ظلهما في ذلك..وتحدث القاسم وبشهادته كما لم يتحدث من قبل..أكد على ترشيحه لنوبل وسخر منها وممن يمنحها..مدح درويش والجميع..هاجم الحكام وهجاهم..مدح مصر وشعبها..وهكذا الكبار..يدركون قيمة الأشياء الجميلة..وهم أنفسهم الجمال يمشي على الأرض!
وداعا مصطفى حسين وأحمد جويلي وسميح القاسم..
الجريدة الرسمية