توابع السقوط الإخوانى
أرى تشابهاً كبيراً بين ما يحدث فى مصر والمنطقة، وبين ما حدث فى الثورة الروسية فى مطلع القرن العشرين، فقد استغل الشيوعيون الثوريون بزعامة لينين وتروتسكى ثورة الجياع الروسية الأولى، ليتصدروا المشهد الثورى ويقوموا بانقلابهم المجتمعى بناءً على أفكار كارل ماركس لتغيير البنية الأيديولوجية للمجتمع وإقامة دولة شيوعية تقوم على أساس التمكين والمغالبة والسيطرة السياسية على قمة هرم السلطة، مستغلين حالة الفوضى الاجتماعية التى أحدثتها تلك الثورة العارمة ليقفزوا عليها ويؤسسوا لمذهبهم الذى غير أسس المجتمع الروسى من جذوره، ثم تغولت بعدها السلطة الباطشة على المذهب والعقيدة وغرها التمكين والسيطرة، فتوحشت الدولة على مواطنيها، فسالت دماء وكثرت الضحايا حتى زادت على العشرين مليون ضحية فى عهد ستالين تحت مطرقة السلطة الباطشة وسندان المذهب والعقيدة، فأفسدت التروتسكية الثورية ومن بعدها الاستالينية مفهوم المنهج الاشتراكى ومذهبه الاجتماعى، وحادت به عن هدفه ومقاصده التى بنى عليها، ثم انهارت تلك الدولة الاشتراكية السوفيتية فى نهاية الأمر على رءوس أصحابها من الثوريين الاشتراكيين أصحاب السلطة والسطوة والجاه، لأنها قامت على المغالبة والتمكين وفرض المذهب والعقيدة عنوة على المجتمع، ولم تستطع الاستمرار أمام التحديات المتعاظمة لافتقارها لدعم شعبى فاعل، فتحولت مغالبتها وتمكينها إلى هزيمة مدوية، فلفظها المجتمع المغلوب بما حملت ودعت من منهج وعقيدة فارتدت تلك المجتمعات الاشتراكية نحو الرأسمالية القحة، ومن اليسار إلى اليمين، بعد أن كفرت بالمذهب الذى غالب به هؤلاء التروتسكيون والستالينيون من قبل، فضُرب المنهج بهزيمتهم لأنهم فرضوه عنوة وربطوه بوجودهم وفسروه تبعاً لمصالحهم.
وبنظرة موضوعية على الحالة المصرية نرى جماعتنا الإخوانية تشبه حالة تلك الحركة اللينينية التروتسكية الأولى، فالتروتسكيون الجدد فيها، أتباع سيد قطب قد غالبوا بها وصاروا نحو التمكين المجتمعى بالمغالبة بعيداً عن المشاركة السياسية، وخلطوا العقيدة بالسلطة وربطوا شخوص القادة بأصل المنهج، فعندما تواجه الجماعة انهياراً سياسياً تظهر تباشيره المروعة فى الأفق القريب بسبب ذلك المنهج القطبى التكفيرى الذى مازال مهيمناً عليها ستتضرر العقيدة والدين ضرراً كبيراً تبعاً لسقوطها، فحينها لن يقول أحد فشلت الجماعة بل سيقولون فشل الإسلام.! وسيكون هذا السقوط بمثابة الردة الحضارية والثقافية ودفعاً منهجياً للتغريب الثقافى للمجتمعات العربية والإسلامية، وتفكيكاً للروابط والوشائج التاريخية والثقافية بين الدول العربية بما يعين على التخلخل الثقافى، بل ذوبان ما تبقى من عوامل التواصل والارتباط فى دائرة المنطقة العربية الإسلامية والتى ستؤدى فى النهاية إلى ضياع هويته التراثية والحضارية، بل انسلاخ أجزاء الوطن العربى من ثقافته وتراثه الحى ولغته ومصالحها القومية.
وهذه هى خطورة توجه سياسة المغالبة والتمكين للجماعات التى تدعى امتلاك المذهب والدين فنصره من انتصارهم وهزيمته من هزيمتهم.. وهو وارد فى كل حالاته.
نقلا عن جريدة فيتو الأسبوعية