رئيس التحرير
عصام كامل

«الهزة بحساب».. الشبكة القومية للزلازل تضم 70 محطة موزعة على مستوى الجمهورية.. خليج العقبة المصدر الرئيسي للزلازل في مصر.. و300 هزة أرضية تسجلها الشبكة يوميًا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

ضربت مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية عدة زلازل؛ أعادت إلى الأذهان مرة أخرى ما حدث عام 1992 وهو الزلزال الأقوى تأثيرا الذي تسبب في وفاة 545 شخصا وإصابة 6512 آخرين، وتشرد حوالي 50 ألف شخص؛ فضلا عن تصدعات وانهيارات في المباني والمدارس؛ وحتى اليوم لا تزال ثقافة الزلازل غير موجودة عند المصريين.

«فيتو» زارت مرصد حلوان حيث توجد الشبكة القومية للزلازل التابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية التابعة لوزارة البحث العلمي؛ للتعرف على قصة الزلازل وأسبابها وآثارها.

24 ساعة
عاشت «فيتو» يومًا كاملًا داخل الشبكة القومية للزلازل لرصد طبيعة عملية الرصد للزلازل وكيفية قياسها والمناطق الخطرة في مصر؛ حيث يقول الدكتور محمد نبيل الجابري، أستاذ باحث بقسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية والمتحدث الرسمي للمعهد: الشبكة القومية للزلازل أكبر شبكة على مستوى الشرق الأوسط المسئولة عن متابعة النشاط الزلزالي والتقليل من مخاطره.

الشبكة التي تعمل طيلة الـ24 ساعة يتناوب فيها الباحثون والعمال على 3 فترات عمل، كل منها 8 ساعات تبدأ الفترة الأولى في الثامنة صباحا وتنتهي في الرابعة وبعدها تبدأ الفترة المسائية ومن ثم فترة المبيت التي تبدأ من منتصف الليل حتى الثامنة صباحا.. ويؤكد الجابري: نحن متواجدون خلال الـ 24 ساعة لرصد الزلازل أو حدوث أي ظرف طارئ بالشبكة.

70 محطة
تضم الشبكة القومية للزلازل 70 محطة موزعة على مستوى الجمهورية؛ بالإضافة إلى مركزين لاستقبال وإرسال البيانات عند حدوث أي زلزال؛ المركز الأول – الرئيسي - وهو موجود بمرصد حلوان، والثاني في أسوان وهو المسئول عن مراقبة مستمرة للنشاط الزلزالي حول بحيرة ناصر وجسم السد العالي وجنوب مصر؛ وتنتقل بيانات الشبكة عن طريق الأقمار الصناعية إلى المركز الرئيسي بمرصد حلوان، من خلال مراكز فرعية في الغردقة وأسوان والخارجة وبرج العرب ومرسى علم، بخلاف 30 محطة أخرى لقياس العجلة الزلزالية وتنتشر بالأماكن الأثرية والهامة في مصر.

يقول المتحدث باسم الشبكة القومية للزلازل: لدينا في مصر أكثر من 6 مناطق نشطة زلازاليا ويتم التركيز عليها في الرصد، وتشمل "أسوان، دهشور، نطاق القاهرة والسويس، خليج العقبة، جنوب وشمال خليج".

خليج العقبة
تعد منطقة خليج العقبة من المصادر الرئيسية للزلازل في مصر، وتتميز أحيانا بظاهرة الحشود، وكان أكبر زلازله في 22 نوفمبر عام 1995 بقوة 6.9 درجات، وسبب خسائر فادحة في نويبع ودهب وطابا؛ أما منطقة دهشور جنوب غربي القاهرة، كان أكبر زلازلها في 12 أكتوبر 1992 بقوة 5.3 درجات ريختر، لكن قربه من القاهرة وقرب بؤرته من سطح الأرض على عمق 10 كيلومترات فقط، وحدوثه في منطقة طينية هشة جيولوجيا، عمل على تكبير التسارع الزلزالي، وكانت خسائره رهيبة.

وتتميز منطقة أبو دباب (قريبة من البحر الأحمر في عمق الصحراء الشرقية) بالحشود الزلزالية، وكانت أكبرها في عام 1955 بقوة 6.7 درجات، تسجل المحطات عشرات الهزات الأرضية يوميا كلها من النوع الصغير الذي لا يشعر به الإنسان وتسجله فقط المعدات؛ في حين تشهد بحيرة ناصر نشاطا زلزاليا متوسطا، نظرا لوجود فالق كلابشة النشط، الذي سبب زلزال 1981 بقوة 5.6 درجات، لكن لم يتأثر به السد العالي، لأنه مصمم للتحمل حتى 8 درجات ريختر.

كما يشهد جنوب خليج السويس نشاطًا زلزاليًا كبيرًا لتلاقي فالق خليج العقبة، الفالق العظيم مع الفالق العظيم للبحر الأحمر، وأن نقطة الالتقاء هي أكبر منطقة نشطة بالزلزال، وتقع في جزيرة شدوان وأشهر زلازلها في 31 مارس 1969 وقوته كانت 6.9 درجات.

ويضيف الجابري: أن شبكة مصر لرصد الزلازل لا تتوقف فقط عند رصد الزلازل داخل النظاق الجغرافي ولكن تتعداها لرصد الزلازل في الدول المحيطة بل إنها ترصد الزلازل من كافة دول العالم وقياس مدى تأثيرها على مصر؛ قائلا: نحن نرصد الزلازل على مستوى العالم أجمع في الزلزال الأخير الذي ضرب الجزائر تم رصده وتحليل بياناته في الشبكة.

فجأة يتوقف الجابري عن الحديث ويتجه بنظره إلى أجهزة الرصد التي يمتلئ بها المكان؛ فالإشارات الطبيعية التي ترصدها الأجهزة بدأت تتغير؛ فها هي منطقة أسوان تشهد زلزالا جديدا؛ وبحسب ما تم رصده عن طريق الإشارات والموجات فإن زلزال بقوة 1 ريختر ضرب المنطقة المجاورة لبحيرة ناصر.

عاد الجابري إلى هدوئه مرة أخرى؛ بعد أن اطمأن إلى أن الزلزال غير مؤثر ولا يستعدي الإبلاغ؛ قائلا: "عند حدوث زلزال يتحول المرصد والشبكة إلى ما يشبه الطوارئ فبمجرد تسجيل درجة الزلزال يتم إبلاغ الجهات التنفيذية المسئولة والوزارات المعنية للدفع برجال الحماية المدنية وقوات الأمن اللازمة للتأمين أو رفع آثار الزلزال".

ويوضح أن الباحث ومسئول الرصد بالشبكة يقوم بسرعة بالكشف عن المنطقة من خلال البرامج الخاصة بالشبكة وتحليل البيانات للوصول لقوة حدوث الزلزال؛ وخلال هذه الأثناء يتم إبلاغ القوات المسلحة وقوات الدفاع المدني ومجلس الوزراء وهي الجهات المعنية التي تقوم الشبكة بإبلاغها بالبيانات أولا بأول، وفي نفس الوقت يقوم موظف الاتصالات بالرد على تساؤلات المواطنين والصحفيين والإعلام.

300 هزة
ويشير الجابري إلى أن أجهزة الرصد تقوم بتسجيل وتحليل العديد من البيانات فالإشارات التي تلتقطها الأجهزة لا يفهمها إلا المختصون لتحديد إذا كانت زلزالًا أم لا؛ فأكثرها تكون ضوضاء بسبب السيارات والعوامل الخارجية؛ حيث إن الشبكة تسجل يوميا ما يصل إلى 300 هزة أرضية؛ موضحًا أنه بعد تحليل البيانات ومعرفة تفاصيل الزلزال ومنطقته وقوته والتأكد من انتهاء نشاطه وعدم وجود أي آثار جانبية له، يتم فحص كامل لمنطقته الزلزالية للتأكد من نشاطها.

الشبكة القومية للزلازل تستقبل إشارات وموجات الزلازل من خلال غرفة تحكم بعمق يصل لـ 4 أمتار؛ حيث تقوم غرفة التحكم بنقل إشارة أي زلزال عن طريق "سينسور" للأجهزة بالشبكة الداخلية إلكترونيا، يقول الجابري: إنه في حال حدوث أي عطل داخل المحطة يتم إصلاحه فورًا عن طريق الإلكترونيات فالعمل لدينا إلكتروني وفي حال عدم القدرة على إصلاحه إلكترونيا يتم النزول إلى المحطة واكتشاف العيب الفني.

تطرقت العديد من الدراسات لقوة كل زلزال وتأثيره وعدد مرات حدوثه على مستوى العالم؛ حيث كشفت أن الزلازل التي تقل قوتها عن 2 ريختر لا يمكن أن يحس بها البشر، وتحدث نحو 8 آلاف مرة يوميا؛ في حين أن زلازل التي تقع ما بين 2 إلى 2.9 ريختر لا يشعر بها البشر ولكن ترصدها الأجهزة وتحدث نحو ألف مرة يوميا.

ومن 3.03 إلى 3.9 ريختر يشعر بها البشر، لكن لا تسبب ضررا وتسجل منه الأجهزة حوالي 49 ألف زلزال يوميا، ومن 4 إلى 4.9 ريختر يشعر البشر بهزة مع تحرك الأشياء وظهور صوت للزلزال لكنه لا يسبب ضررا وهو يحدث 6200 مرة سنويا، وتعد الزلازل التي تصل قوتها ما بين 5 إلى 5.9 ريختر من الزلازل المعتدلة؛ والمباني الضعيفة فقط قد تتضرر بشكل كبير ولكن المباني القوية لا تتضرر كثيرا ويحدث 800 مرة سنويًا.

أما الزلازل التي تصل قوتها ما بين 6 إلى 6.9 ريختر يمكن أن تسبب ضررا كبيرا يصل إلى 160 كيلومترًا عند نقطة حدوثه ويحدث 120 مرة سنويا، في حين الزلازل التي تسجل ما بين 7 إلى 7.9 ريختر يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة على مساحة كبيرة وعددها يصل إلى 18 سنويا؛ في حين الزلازل التي تسجل من 8 إلى 8.9 ريختر تعد من الزلازل العظيمة ويمكن أن تسبب أضرارا كبيرة حتى مئات الأميال عن نقطة حدوثه وهو ما يحدث مرة واحدة سنويا؛ أما الزلازل التي تسجل من 9 إلى 9.9 ريختر فيحدث مرة واحدة كل 20 عامًا ويسبب أضرارا كبيرة حتى آلاف الأميال عن نقطة حدوثه؛ أما الزلزال الذي تصل قوته لـ10 ريختر لم يحدث في العالم إلى الآن.

ويضيف المتحدث باسم الشبكة القومية للزلازل: أنه بعد زلزال 1992، لا تعطي رخصة مباني لأحد، إلا بعد اعتماد معامل أمان الزلزال، وللأسف كثير من المقاولين يتجاهلونها؛ حيث إن عددًا من المقاولين يلجأون إلى المكاتب الهندسية ويحصلون على شهادة بأن المنطقة آمنة زلزاليا مقابل مبلغ معين من المال، ومن الطبيعي ألا تحدث الزلازل إلا بعد سنوات من هذا الأمر.
الجريدة الرسمية