لا أحد..
ليس أمامي اليوم إلا الأساطير اليونانية.. حكاية من حكايات أوليس أو أوديسيوس الذي حكمت عليه الآلهة اليونانية بالتيه في البحار أثناء عودته من طروادة بعد انتصار اليونانيين على جيشها وحكامها ودمارها وقتل أهلها، في الطريق المملوء بالحكايات التي خرج منها أوليس ناجيا والذي يعني اسمه الرجل كثير الحيل.
رمت بهم عاصفة إلى أرض السايكلوب، وهم العمالقة ذات العين الواحدة آكلوا البشر، أخذهم أحد السايكلوب إلى كهف يتغذى عليهم فيه وأغلقه، أدرك أوليس ومن معه أنهم إلى زوال فماذا صنع أوليس، تقدم إلى الوحش بإناء به خمر كان معهم، شرب منه العملاق فوجده شهيا جميلا، ابتسم وسأله عن اسمه فقال "لا أحد"، والذي حدث بعد ذلك أن العملاق غلبه السكر وفقد وعيه فقام أوليس وجنوده بفتح الباب الصخري وخرجوا مسرعين، لكن أوليس الذي يعرف أن هذا العملاق ليس وحده في الغابة وله من جنسه العديد من الوحوش فقأ عين العملاق برمحه وخرج جاريا مع الجنود.
بالطبع كانت الضربة كافية أن يفيق "السايكلوب" من سكرته ويصرخ من الألم ويخرج يتخبط حتى صار خلفهم يصرخ في الفضاء.. تجمعت الوحوش العمالقة من جنسه في هلع يرون الدم سائلا من عينه يسألونه من فعل بك ذلك فيقول "لا أحد" وأوليس وجنوده يجرون إلى البحر يركبون سفينتهم ويهربون من الوحوش التي كان يمكن أن تطولهم كلهم وتقضي عليهم. يواصلون رحلتهم ضاحكين غير مصدقين ما فعله أوليس بالوحش القوى الغبي.
أتذكر هذه الأسطورة بقوة الآن وأنا أرى حولي تظاهرات الإخوان المسلمين التي لا تنقطع منذ أكثر من عام.. وأسال نفسي ماذا يريد هؤلاء الناس، بعد أن كان الباب والمفتاح في أيديهم، بعد أن سكروا سعداء بامتلاك العرش ولم يدركوا ما حولهم، أسمعهم أحيانا في قناة الجزيرة فأراهم يقولون إن ما حدث بعد 30 يونيو كان تخطيطا أمريكيا وهم أصدقاء أمريكا حتى اليوم.
يقولون كان على الرئيس السيسي ألا يستجيب لتمرد ولا جبهة الإنقاذ ولا يعلن بيان 3 يوليو بل يدعو إلى استفتاء على بقاء مرسي في الحكم من عدمه وهو المطلب الذي طلبته الجماهير الحاشدة من محمد مرسي ولم يستجب.. يقولون إنها مؤامرة تمت عليهم من الجيش والداخلية، وهم الذين اعتمدوا على وزارة الداخلية في سنة حكمهم فقتلت أكثر من خمسين شابا واعتقلت أكثر من ألفين من الذين كانوا يحتجون على ما يفعله محمد مرسي، اعتمادا على الجهاز الذي كان ضدهم منذ عام 1954!
أسال نفسي دائما ماذ يريد الإخوان حقا فلا أعرف، لا يوجد عاقل أو حتى مجنون يتصور عودة محمد مرسي للحكم مرة أخرى بعد انتخابات ودستور، لا أرى إلا أنهم كعادتهم يقدمون المسوغات للدولة أن تزداد قمعا يتجاوزهم إلى غيرهم من المعارضين. الكارثة ليست في أنهم لا يدركون كيف تقوي الدولة يوما بعد يوم بسبب أفعالهم، لكن أيضا لا يدركون أن الشعب في مجمله لم يعد معهم، وهكذا أتذكر الوحش الغبي الذي فقأ ليس عينه بعد أن أسقاه خمرًا وخرج يصرخ يقول إن من قتله هو "لا أحد"، طبعا قد تختلف الأسماء لكنها الخمر.. خمر الحكم ولو سنة فلم يعودوا يرون ما حولهم.. نفس العبث.