مواجهة الفساد.. المشروع القومي الأهم
الفساد وصل للركب.. مقولة شاعت في فترة سابقة أذهلتنا وأفزعتنا حينها.. أطلقها على المحليات رمز من رموز الفساد في النظام الأسبق.. هذه المقولة نتمنى أن نصل إليها الآن بعد أن صارت هذه الكلمات من قبيل الرفاهية وأنها ( يادوب ) تصلح لأن تكون فاتح شهية أو مسح زور !!
للأسف الشديد، إننا ندرك جميعا الحجم الذي وصل إليه الفساد في هذا الوطن، ونعرف أننا جميعا شركاء فيه بالفعل أو بالقول أو بالتبرير أو بالصمت العاجز وهو أضعف الإيمان، نمارسه كل يوم وعلى مدى الساعة ونحن نعلم أو ربما لا نعلم، وفي الحالتين هي مصيبة !! لأننا نمارس الفعل وننكره، ونطلق القول ونجرمه، ونفعل كل شيء وعكسه دون أن نخجل من أنفسنا، وفي النهاية عندما يؤنبنا الضمير إذا استيقظ لحظة أو لحظات نرفع العقيرة ويعلو الصوت، مطالبين بمواجهة الفساد والقضاء عليه واتهام الغير – أي غير – بالفساد وننسى أننا شركاء فيه أو سهلنا حدوثه أو حرضنا عليه أو كان طريقًا لتسهيل مصالحنا ليبدو البعض منا أنه ليس كالآخرين يقف في طابور أو يلتزم القانون والنظام، بحجة تضييع الوقت والجهد وتجنب عذاب الروتين والبيروقراطية.
ولأننا نعيش دائما حالات انفصام شخصية وازدواجية معايير؛ تصبح كلمات مثل ( اللي تعرف ديته اقتله ) و( هين قرشك ولا تهين نفسك ) و( بفلوسي أعمل اللي أنا عايزه ) ،و ( هي البلد كده وكله بالفلوس يمشي، واللي مش من حقك يبقى من حقك لو حبيت ) كلمات طبيعية وجميلة تريح البال وتخدر الضمير وينام قرير العين !!
الفساد ليس فقط رشوة مالية أو جنسية، وليس فقط تسهيل حق لغير صاحبه، ولا الاستيلاء على شيء ليس من حقك !! الفساد متعدد الأشكال يأتي في مائة لبوس ولبوس، وهو أداة لإفساد العقول والنفوس والقلوب، ومعول لهدم الدول وخراب الأوطان، وما يبدو منه هو القمة أو الرأس فقط وباقي جسد الفساد تحت الماء الراكد الآسن، ولكي تواجهه وتقضي عليه فلابد من ضربه في كل موضع فيه من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة في عمل متوازٍ ومتتابع لا يعطي له الفرصة ليتمحور ويغير من طريقة تشكيله وتمدده، وتفكيك كل الطرق التي تؤدي إليه.
نجاح أي عمل أو مشروع كبير أو صغير مرتبط بوجود فساد من عدمه، وقلت قبل ذلك إن توافر الإرادة السياسية التي كانت غائبة عن عمد في الأنظمة السابقة ليس كافيًا لنجاح المشروعات القومية الكبيرة وإن كانت ضرورية لانطلاقها، وقلت يجب أن تكون مع الإرادة السياسية إدارة رشيدة تلتزم القواعد والقانون والشفافية لأن الإدارة غير الرشيدة هي الوسط الذي ينمو فيه الفساد الذي يلتهم كل شيء !!
لذلك يكون تقصير العامل ( من الوزير إلى الخفير مرورًا بكل الدرجات ) في عمله فسادًا، وتزويغ العامل من مكان عمله فسادًا، وإسناد عمل لغير المتخصص فسادًا، واعتبار راتب الوظيفة نفقة شرعية فسادًا، ودعوة من يعمل للتوقف عن العمل فسادًا، وترقية من لا يستحق فسادًا، ورؤية الخطأ والسكوت عنه فسادًا، والبحث عن واسطة لإنجاز أي مصلحة فسادًا، وإهدار الوقت فيما لا يفيد فسادًا، والتحايل على القانون لتحقيق منافع فسادًا، و(الصهينة) على الفساد فسادًا أكبر، والإسراف في استخدام الكهرباء والمياه بدون حاجة فسادًا، وإلقاء الزبالة في الشوارع فسادًا، وغالبا لن تكفي المساحة لسرد كل أشكال الفساد الذي نمارسه كل لحظة بأنفسنا ولأنفسنا، ومع ذلك لا نمل الحديث عن الفساد والفاسدين ونحن جزء منه ومنهم.. لكننا لا نعترف بذلك ولا نقبله على أنفسنا !!
من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.. نحن من نشجع على الرشوة ونحن من يدفعها، ونحن من يسعى للواسطة ويفتش عنها، ونحن من نصنع من الحكام أنصاف آلهة لننحني أمامها، ونحن من نكذب ونصدق ما كذبنا فيه.. ونحن من نطلق الشائعات للتبرير والتخويف ونحن من قدسنا رموزًا نعرف فسادها وظلمها وتضييعها للأمانة والمسئولية !! ثم ننقلب على كل ذلك ونمارس دور المصلح الاجتماعي الذي ما أن ينتهي من موعظته يبحث عن تحقيق مصالحه بطرق الفساد الكثيرة !
أعتقد أننا نحتاج إلى مشروع قومي لمواجهة الفساد في كل موقع حتى نستطيع إنجاز مشروعاتنا القومية الكبيرة وأظن أنه المشروع الأهم الآن.