دولة فوتوشوب
"أحسن شعب يشتغل نفسه"، هو عنوان فيديو شاهدته على اليوتيوب يخدم فكرة لطالما أردت أن أكتب عنها. فهى حدثت كثيراً فى تلك التى يطلقون عليها "ثورة 25 يناير"، ودارت الكثير من المشتمات حولها.. إنها فكرة "تزييف الواقع"!!
فمثلما قام الأهرام بتقديم صور مبارك على أوباما خلال زيارة الأول للبيت الأبيض، فى آخر عهده، فإن الثوار قاموا باللعب كثيراً بصور "الفوتوشوب"، لتصوير أشياء لم تحدث وتزوير وقائع حدثت فى الميدان أو غيره، كما صدق الشعب الكثير من الأكاذيب حول مبارك، وكما صدق الناس أن 6 إبريل "مدنية"، بينما اعترف أحمد ماهر بأنها "الذراع اليسرى للإخوان"، والمُشكلة هنا ليست فى الأشخاص ولكن فى المصداقية من أجل وطن خال من الخداع!!
فها هو ذاك الشخص الذى تقدمه إحدى المُذيعات قائلة: معانا "الدكتور رامى إسماعيل، أصغر جراح قلب فى مصر وعمره 27 سنة، وحاصل على 5 زمالات من جامعات أمريكية وبريطانية، و600 عملية جراحية فى أول ثلاث سنوات فى كلية الطب ومُساعد عمل مع الدكتور مجدى يعقوب"، ودونما أدنى تأكد من تلك المعلومات روج له الإعلام واحتفى به وزاد!!
وقدمه المذيع اللامع "مفيد فوزى" فقال: .. وعندما سمعت عن الدكتور الشاب رامى إسماعيل لم أكن أدرى ماذا يفعل بالضبط سوى أنه من مُساعدى العبقرى الكبير الأستاذ الدكتور مجدى يعقوب"، وتقدمه مذيعة أخرى بأنه "زميل الكلية الملكية بلندن"، ويقدمه مذيع شاب فى قناة أخرى ويقول إنه "زميل أبحاث القلب فى جامعة أكسفورد"!!
المصيبة، أن رامى أصبح يقدم استشارات على القنوات التليفزيونية أيضاً وكان لا يتكلم بالطب ولكن بآيات القرآن!! ولا اعتراض على الآيات بالطبع، ولكن أين آيات تخصصه الجبار؟!
وقال فى إحدى الحلقات إن العروق الزرقاء التى يراها الإنسان على سطح يده، بها دماً أزرق "مافيهوش أُكسجين .. خلاص الخلايا خدت الأوكسجين والغذا والحاجات ورجعت الدم الوسخ التعبان المعفن اللى مافيهوش أى غذا" .. ومر الكلام عادى خالص!! وهنا لا يجب أن أنسى أيضاً، أن الكلام مر ويمُر عادى جداً، بأن مرسى هو أول رئيس مدنى وأول رئيس منتخب لمصر، رغم أن تلك "فوتوشوب" أيضاً!!
وقال رامى إنه دخل مركز أبحاث وكالة الاستخبارات الأمريكية، وأن 90 % من العاملين هناك من "المصريين"!!
وقُدمت شهادات مزورة تثبت أغلب كلامه وإعلامنا الفذ يُقدم له بشكل يجعل منه نجم شباك!!
ودُشنت صفحات على "الفيس بوك" باسم "محبى الدكتور رامى إسماعيل"، مع تعليقات تصنع منه "فرعون الخدعة"، وفى إحدى التعليقات جاء: ".. كفاية إنك مع ربنا .."!!
وعندما اكتشف الناس أكاذيبه، كتب رامى قائلاً:
"أنا عملت إيه، ليه كل الهجوم ده.. هو أنتم يوم ما جبتونى وشجعتونى كان علشان الزمالات ولا عشان الماجستير ولا عشان مجدى يعقوب، أنتم جبتونى عشان كنت بحاول أوصلكم الطب اللى اتعلمته بطريقة بسيطة أعرف الناس بيها قدر خالقها وأقربهم أكثر إلى الله"!!
إلا أن الغريب أن هناك من ظل يُدافع عنه بعد معرفة حقيقته، فتقول إحدى المُدافعات فى تعليق لها: "طيب فين المشكلة؟ دا دكتور وشاطر كمان. غلط ف إيه يا جماعة؟ أنا مش فاهمة!"
وأنا كمان مش فاهم!! إيه المشكلة يعنى لما يكون "جراح قلب فوتوشوب" ولا "ثورة فوتوشوب" ولا "رئيس فوتوشوب" ولا "ديمقراطية فوتوشوب" ولا "دولة فوتوشوب"؟!
ويصبح السؤال فعلاً: هو كان فيه ثورة "مدنية" بجد فى مصر، مع هذا الإعلام وهؤلاء المُشاهدين، ولا كله "فوتوشوب"؟!
والله أكبر والعزة لبلادى
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية