رحلة البحث عن مشروع قومي لمصر!
انتهت رحلة البحث المضنية عن مشروع قومي لمصر بالقرار الإستراتيجي الجسور الذي اتخذه الرئيس "السيسي" ببدء تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس.
والواقع أن عديدًا من الكتاب والسياسيين طالبوا منذ سنوات بعيدة، بضرورة صياغة مشروع قومي لمصر تكون لديه القدرة - بحكم خطوطه الأساسية - على تجميع فئات الشعب كلها وراءه، ما من شأنه رفع الروح المعنوية وإثبات أن المصريين أصحاب التاريخ الحضاري الحافل قادرون على النهضة الشاملة ببلادهم تحت العلم الخفاق لمشروع قومي، يضخ الدماء الفتية في عروق التنمية التي تيبست نتيجة الجمود السياسي في العقود الماضية، وهبوط الهمة، وعدم قدرة النخبة السياسية الحاكمة على اتخاذ القرار.
ما هي دلالة هذا المشروع القومي الجبار الذي أعلن الرئيس "السيسي" في الإسماعيلية البداية الفعلية لتنفيذه بسواعد مصرية في عام واحد وليس في ثلاثة أعوام كما كان مخططًا؟
الدلالة الكبرى لهذا المشروع أنه يتم عن إدراك قيادي وشعبي لخطورة ظاهرة التزايد السكاني المتزايد، وعجز الدولة عن إشباع الحاجات الأساسية لملايين المواطنين في الوقت الذي تباطأت فيه عملية الإنتاج بشدة عقب ثورة 25 يناير.
وإذا أضفنا إلى ذلك انحباس 90 مليون مصري في الوادي الضيق الذي سكنوه منذ مئات السنين لأدركنا أنه لم يكن هناك حل سوى تنفيذ مشروع قناة السويس من جانب، وتوسيع الآفاق من جانب آخر باستصلاح 5 ملايين فدان، كما أعلن إنشاء وتطوير مجتمعات سكانية جديدة مما يوفر لملايين الشباب العاملين آلاف من فرص العمل.
المشروع القومي الذي بدأ العمل فيه تبدو دلالته الكبرى في أنه رهان على المستقبل، وليس ركونًا إلى التاريخ الماضي أو إلى عثرات الحاضر.. وهذا الرهان على المستقبل أصبح اتجاهًا عالميًا ليس لدى قادة الدول المتقدمة فقط ولكن لدى الشعوب أيضًا.
القادة بحكم رؤيتهم الإستراتيجية وإلمامهم الدقيق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية والعالمية وتتبعهم المنهجي لتدهور الأوضاع العالمية نتيجة عوامل متعددة، صوبوا نظراتهم نحو المستقبل وفق خطط مستقبلية مدروسة أعدها مئات الخبراء عن كل التخصصات.
أما الشعوب فقد تفتح وعيها على المستقبل نتيجة ثورة الاتصالات الكبرى، وفي قلبها البث التليفزيوني الفضائي وشبكة الإنترنت، فقد أصبح المواطنون في كل دول العالم أكثر وعيًا وأكثر قدرة على تتبع آخر التطورات في العلوم الطبيعية والاجتماعية على السواء، وهم يستطيعون بالضغط على مفتاح الكمبيوتر تتبع أحدث الاختراعات في العالم، بل الحصول في لمح البصر على آخر صيحة في المنجزات التكنولوجية.
غير أن الشعوب العربية في مجملها مازالت راسخة للأسف الشديد في تلافيف الماضي، وتجتر حوادث خرافية وغيبية من الزمن القديم.. شعوب سادت فيها اتجاهات التطرف الديني والتعصب المذهبي بل الإرهاب باسم الدين، مما جعلها تعيش وكأنها في القرون الوسطى!
ويكفي للتدليل على ذلك متابعة أخبار تنظيم "داعش" الذي باسم الإسلام - زورًا وبهتانًا- أقام خلافة وهمية ويتعامل مع شعب العراق بالسيف والإرهاب.. وقد أدى ذلك إلى تشويه صورة الإسلام في عيون الغرب، مع أنه دين المحبة والتراحم والحرية والكرامة الإنسانية.
المشروع القومي في قناة السويس ضرورة قصوى، غير أنه ينبغي أن يستكمل بمشروع قومي ثقافي للقضاء على ثقافة التطرف الديني والتعصب المذهبي والإرهاب.
وقد كلفني المجلس الأعلى للثقافة الذي انعقد برئاسة الدكتور "جابر عصفور" وزير الثقافة، بكتابة ورقة عمل موضوعها "رؤية لسياسة ثقافة مقترحة".. وقد أعددتها بالفعل ووضعت لها عنوانًا فرعيًا دالًا هو "نحو تنمية ثقافية جماهيرية" وذلك لأنني قررت فيها أننا كدولة ومجتمع إن لم نستطع اختراق ملايين الأميين والفقراء وسكان العشوائيات ببرامج ثقافية تنويرية تقضي على الأمية والجهل والخرافة والتطرف الديني والتعصب المذهبى بل الإرهاب فلن تكون هناك جدوى من المشاريع القومية أو البرامج التنموية بغير فتح "العقول المغلقة" لكي تتعامل بطريقة صحيحة مع العصر لنهضة حقيقية.
وقد كلفني المجلس الأعلى للثقافة الذي انعقد برئاسة الدكتور "جابر عصفور" وزير الثقافة، بكتابة ورقة عمل موضوعها "رؤية لسياسة ثقافة مقترحة".. وقد أعددتها بالفعل ووضعت لها عنوانًا فرعيًا دالًا هو "نحو تنمية ثقافية جماهيرية" وذلك لأنني قررت فيها أننا كدولة ومجتمع إن لم نستطع اختراق ملايين الأميين والفقراء وسكان العشوائيات ببرامج ثقافية تنويرية تقضي على الأمية والجهل والخرافة والتطرف الديني والتعصب المذهبى بل الإرهاب فلن تكون هناك جدوى من المشاريع القومية أو البرامج التنموية بغير فتح "العقول المغلقة" لكي تتعامل بطريقة صحيحة مع العصر لنهضة حقيقية.