البخاري والقرآن! (٥)
قال صديقي بعد أن فوجئ بحديث مباشرة الحائض المخالف للقرآن الكريم، وفي محاولة للحصول على وقت للتفكير: وهل لديك أحاديث مشابهة ترى أنت وفق ما تظن أنها تخالف القرآن؟
قلت: لأنك لا زلت لا تعترف ببشرية البخاري، ولأنك لا زلت لا تعترف أن القرآن يعلو ولا يعلى عليه، وهو وحده الكتاب الذي تعهد رب العالمين بحفظه، وهو وحده اليقيني القطعي وكله وحي وغيره كله ظني، حتى بفتوى الأزهر الشريف نفسه حين أكد في فتواه عام ٩٥ أن العقائد لا تثبت بالظنيات، وهذا كله لا ينفي حبنا للبخاري واحترامنا له وتقديرنا لدوره ومجهوده الكبير في جمع الحديث الشريف، نقول: ورغم ذلك إليك المزيد، ففي "فتح الباري في شرح حديث البخاري" الجزء رقم ٨ صفحة ٤٣٩ حديث الغرانيق الشهير، وفيه قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم، فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس"!!
وهذا الحديث الذي يقول فيه إن الشيطان وسوس للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بعيدا عن كلام الوحي، ثم عاد ورفع آيات الشيطان!! يتعارض تماما مع قوله تعالى "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين"، وقوله أيضا "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم"، وهنا نصدق القرآن أم نصدق البخاري؟! نحن نصدق القرآن، فهل تصدق أنت البخاري؟
قال: ولكن انتظر، ولا تأخذني هكذا، فكثير من علماء الإسلام والحديث رفضوا هذا الحديث! قلت: نعم، حتى أن الألباني كانت دراسته الشهيرة هي "نصب المنجنيق في رفض حديث الغرانيق"، ورفضها الألوسي في تفسيره للقرآن "روح المعاني" وقال عنها فخر الدين الرازي: "هذه الرواية باطلة نصا وموضوعا"، وقال ابن كثير "الرواية مرسلة وسندها غير صحيح"، ويقول ابن العربي "هذه الرايات باطلة ولا أصل لها"، ويقول البيهقي "رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم"!، وهكذا كثيرون جدا.. قاطعني والدهشة على وجهه وقال: أنت تعرف هكذا من رفضها.. هل صدقتني؟
قلت: بل هل صدقتني أنت أنه غير مقدس؟! وأنه بشر يمكنه أن يخطئ كما يصيب؟! وهل صدقتني بوجود تعارض بين عدد من أحاديثه والقرآن؟! وهل صدقتني أن القرآن وحده الذي يعلو ولا يعلى عليه؟! والأهم: أنه كان عدد من أكبر علماء الإسلام يرفضون أحاديث في البخاري، فلماذا يصر بعض علمائنا اليوم وأنت منهم على الدفاع عن كل ما في البخاري - نكرر.. كل ما في البخاري - دون حتى قبول الحوار حول تنقيته أو مراجعته لا هو ولا كل كتب التراث؟! وإن كان ذلك كذلك مع البخاري، عمدة جامعي الأحاديث وأكثرهم صحة، فماذا يمكن أن نجد فيما أقل منه في الصحة؟!
ولم يعقب صديقي.. وللحديث بقية.