رئيس التحرير
عصام كامل

زعماء التكفير من الخوارج إلى أبو بكر البغدادي

أبو مصعب الزرقاوي
أبو مصعب الزرقاوي

تعتبر ظاهرة التكفير واحدةٌ من أخطر الظواهر التي تُعاني منها الأمة الإسلامية، وساهمت إلى حد كبير في إضعافها أمام الأمم، إذ اتهمت خاصة في العصر الحديث بأنها منبع الإرهاب، وتسببت الظاهرة في تمزيق المجتمعات الإسلامية وانتشار التنازع والفرقة بين أوصالها.


وقد عكف كثير من الباحثين على إجراء دراسات عديدة لمعرفة أسباب هذه الظاهرة، رغبة في وضع روشتة لعلاجها جذريًا بعلاج أسبابها التي أنتجتها، وقد انتهت معظم الدراسات إلى أن بوادر التكفير ظهرت في صدر الإسلام بتكفير الخليفتين عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، بعد نحو ربع قرن فقط من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، بظهور فئة الخوارج وزعيمهم "مشرط" أو عبد الله بن سبأ اليهودي، والذي أحدث فتنة كبرى بقيادته جماعة من الأوباش والرعاع ضد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، بمزاعم مُختلقة وملفقة، حتى انتهى الأمر بعد ذلك بمقتله، لكن كان لقتله تداعياته سلبية، ونتائج كارثية دينيا، وسياسيا، واجتماعيا، وبدأت تظهر مطامع الأعداء، خاصة مع بروز ما يعرف بـ "التلويح بقميص عثمان"، وهو الأمر الذي وجد فيه سعاة الفتنة فرصتهم الملائمة، لإذكاء الفتنة، وإشعال فتيل الحرب، ثم توسع بتوسع الدولة الإسلامية، وظهر من الفرق من قصرت الإيمان في العهد النبوي على 5 أفراد فقط.

ويعتبر كثير من علماء الإسلام المعتدلين، وخبراء علم الاجتماع والحركات الإسلامية، بل والأطباء النفسيين، أن التكفير نوع من أنواع الدفاع السلبي الذي يلجأ إليه من يريد أن يصادر فكر خصمه، ويتهرب من مواجهة الحقائق والبراهين بمثلها، فيضيق ذرعا بها، ولا يجد ملاذا في مواجهتها سوى التكفير، فالخوارج لم يكفروا «عثمان»، أو على إلا بعد أن قامت عليهم الحجة بالدليل العقلي والنقلي، ما يؤكد أن بنية التفكير التكفيري مهلهلةٌ ضعيفة من ناحية، وانهزامية من ناحية أخرى.

وقد ارتفعت أصوات التكفيريين خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وارتبط سياقها التاريخي بثلاثية شهيرة، القطبية، نسبة إلى سيد قطب الذي رأى أن العالم الإسلامي يعيش الجهالة الأولى، ودعا إلى عودته إلى دينه من جديد، وهي الأفكار التي تعتبر المرجعية الأساسية للجماعات التكفيرية، ثم الجماعات الجهادية، ثم تنظيم القاعدة، ومع بداية القرن الحالي تكاثرت هذه الجماعات من الدولة الإسلامية، إلى أنصار بيت المقدس، مرورًا بأنصار بيت المقدس، وصولا إلى «داعش».

ويأتي الاضطهاد السياسي على رأس الأسباب التي أدت إلى انتشار الإرهاب في بقاع الدول العربية، نتيجة معاناة بعض قادة الفكر الإسلامي من الاستبعاد السياسي، حيث ظهر رد الفعل المتمثل في تكفير الحكام ورجال الدولة وكل القريبين من دائرة السلطة، ومخالفة بعض الحكام الشريعة الإسلامية، وتجاهل الديمقراطية، ما دفع بالحركات الإسلامية إلى ممارسة التكفير والعنف.

كما مثل فقدان الثِقَة بالعلماء الرسميين خلال بعض عصور الحكم الإسلامي، وتحديدا فترة ما بعد الخلفاء الراشدين عنصر أساسيا في تكوين الفكر الإرهابي، حيث اتخذ فقهاء السلطان دينهم وعلمهم مطية للتقرب من الحاكم، وفي بعض الأحيان كانوا يخالفون المعلوم من الدين بالضرورة لإرضاء الحاكم أو الرئيس، فكانت النتيجة فقدان الثقة بهم، وانعدام تأثيرهم في المجتمع، وصولا إلى تجاوزهم وعدم الاعتراف بعلمهم وفتاويهم، ثم تكفيرهم.

ونتيجة للشك فيما تعرضت له السنة النبوية من تحريف ودس أحاديث أخذ الأحكام من القرآن مباشرة، واتجهت جماعات كثيرة إلى القرآن فقط لأخذ الأحكام، دون معرفة بالعلوم المتصلَة به والتي تؤدي إلى تحقيق الغرض، ما أدى تكفير هذه الجماعات من الجماعات التي تحافظ على السنة، بل وأطلقت على أفرادها "القرآنيين".

كذا لعب الخلط في توضيح مفهوم الكفر دورا في إرثاء الفكر المتطرف، حيث تناست هذه الجماعات حقيقة ورود لفظَ الكفر في القرآن الكريم والسنة، وأنه لم يأت بمعنى الخروج من الإسلام، وهو الكفر الأكبر، بل أتى بمعنى كفر النعم مثلا، وهو من الكفر الأصغر، لكن الخلط بينهما أدى إلى التوسع في دائرة التكفير، وإطلاق حكم الكفر على كثير من المسلمين.

وفي الإطار نفسه كان لإيمان بفتاوى علماء التكفير أثر في تعلق بعض زعماء وأعضاء الجماعات الإسلامية بأفكار التطرف والتكفير الأمر الذي أدى إلى انتشار كتابات بعض المفكرين، وعلى رأسهم أبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، واللذين أخرجا الكثير من المسلمين من ملة الإسلام وحكما بكفرِهم، وأهدرا دمهم.

كما أن كثرة المرجعيات الدينية المستقلة أدت إلى فقدان الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية، وظهور جماعات دينية مستقلة كان لها تأثير كبير على أعضائها، ومع كثرة هذه الجماعات واختلاف مرجعياتها الدينية، تبادلت التكفير فيما بينها.

وعلي جانب آخر أدى انتشار الفساد خاصة الأخلاقي في المجتمعات الإسلامية، وكثرة البدع التي دخلت على الإسلام دون أساس عقائدي، إلى انتشار ظاهرة تكفير المجتمع جماعات وأفراد، وإخراجهم من الملة نتيجة ما يرتكبونه من أخطاء أخلاقية، أو فساد سياسي، أو ابتداع في أمور الدين.

أشهر جماعات التكفير
«الخوارج، النجدات، الأزارقة، الصفرات، البهيسية، الأباضية، العجاردة، الحرورية، الشُراة، الشكاكة، التوقف والتبين، الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية، تنظيم الجهاد، التكفير والهجرة، الناجون من النار، العائدون من أفغانستان، العائدون من ألبانيا، الوعد الحق، تنظيم القاعدة، الدولة الإسلامية، جبهة النصرة، داعش».
ويأتي على رأس زعماء التكفير عدة أسماء منها:
عبد الله بن سبأ اليهودي، الأخير يعد مؤسس وزعيم جماعة الخوارج، ظهر في خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وينسب إليه أنه مشعل الاضطرابات والاحتجاجات ضد الخليفة الثالث، وكان من الغلاة في حب على بن أبي طالب، لدرجة أنه ادعى ألوهيته، ويقال إنه أصل هذه الفكرة ومؤسس فكرة التشيع، وهو أول من نادي بولاية على بن أبي طالب، وبأن لكل نبي وصيا، وأن وصي الأمة هو على، وهو أول من أظهر الطعن والشتم في الصحابة، خاصة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، والسيدة عائشة، وهو السبب في وقوع معركة الجمل، ما اضطر على إلى التبرؤ منه، ويرى بعض المؤرخين أنه أصل الفتن الإسلامية الأولى، كفتنة مقتل عثمان، ووضع عقيدتي "الوصية والرجعة"، وكون له أنصارا، ونجح في حشد جميع الساخطين على عثمان فتجمعوا في المدينة وقتلوا ثالث الخلفاء.

أما محمد بن عبد الوهاب، الذي ولد عام 1703 وتوفي عام 1791، أرسى مبادئ الإسلام التكفيري في المملكة العربية السعودية، في أواسط القرن الثامن عشر، وهو مذهب ديني متشدد وعنفي أخذ يشق طريقه كتقليد ديني منحرف، ووجد فيه مؤسس المملكة محمد بن سعود، عونا له في ترسيخ حكمه على القبائل، فعقد معه ميثاقا، أسس بموجبه الدولة السعودية الأولى، ووضع ابن عبد الوهاب عقيدتها الرسمية في صفقة متبادلة بين الإثنين، وكان يصدر لمحمد بن سعود، فتاوى تكفير سكان القرى والمناطق المستهدفة بالغزو، أو الجهاد.

وقد وجه ابن عبد الوهاب، مئات الرسائل إلى أقاليم أهل السنة، يدعوهم فيها إلى اتباع مذهبه، وكان يكفر من يخالفه ويدعو أتباعه لقتاله، ويصف من يتبعه بأنه موحد.

كذا حسن البنا الذي ولد في 14 أكتوبر 1906، وقتل في 12 فبراير 1949، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 والمرشد الأول لها، يعتبره كثير من الباحثين القدامى والمحدثين، أنه صانع التكفير في القرن العشرين، وأنه أسس جماعة ظاهرها الدعوة وباطنها استخدام القوة والتكفير، وأن خلفية الفقه السياسي عنده، خلفية تكفيرية ولم يصرح بها، لكنه كان يستدعى آيات القرآن التي تتحدث عن المؤمنين والصالحين عندما يذكر جماعته، وآيات المنافقين والمشركين حينما يتحدث عن المخالفين له، ووصل به الأمر إلى تكفير أتباعه بعد القبض عليهم في حادث تفجير دار القضاء العالي، بقوله إنهم "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"، وهو أول من وضع ملامح المجتمعين، "مجتمع الإيمان الصحيح" وهو مجتمع الإخوان، و"مجتمع الباطل" وهو باقي المسلمين بمن فيهم العلماء والفقهاء، وتضمنت رسائله، خاصة رسائل "التعاليم" العديد من الاتهامات للأمة بأنها كافرة وغاب عنها الإسلام منذ قرون، وأن الله أرسله هو وجماعته ليعيد الإسلام لها.

أما سيد قطب أو الأب الروحي لجماعات التكفير والعنف الدموية كانت كتبه "معالم في الطريق"، و"في ظلال القرآن"، دستورا لا يفارقها، وأول ما تدرسه للأعضاء الجدد.

الرجل اسمه بالكامل سيد قطب إبراهيم حسن الشاذلي، ولد في قرية موشة بمحافظة أسيوط في 9 أكتوبر 1906، عاني من التيه الروحي والضياع النفسي، لدرجة أنه في عام 1934 نشر في الأهرام دعوة للعري التام، وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، حتى عرف طريقه ووجد ضالته المنشودة في جماعة الإخوان المسلمين، اعتقل عام 1954، وحكم عليه بالسجن 15 سنة، لكن الرئيس العراقي عبد السلام عارف، تدخل وتم الإفراج عنه بسبب سوء حالته الصحية عام 1964، وفي العام التالي اعتقل بتهمة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، وصدر الحكم بإعدامه في 21 أغسطس 1966، وتم تنفيذ الحكم بعد أسبوع واحد فقط، ويعتبر المرجع الأول لفكر تكفير الحكام، وتكفير حب الوطن، وإحياء الجهاد، وبعد إعدامه ظهر تيار القطبية، أو القطبيون نسبة إليه، وتتركز أفكار هذا التيار في أن المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلية بما فيها المجتمعات الإسلامية، وتكفير حكومات بلاد المسلمين، وعدم جواز المشاركة في الحكم أو ممارسة العمل السياسي في ظل الحكومات الكافرة، ووجوب جهادها.
في الأخير يأتي أبو بكر البغدادي، أو إبراهيم عواد إبراهيم على البدري السامرائي، وشهرته أبوبكر البغدادي، قائد تنظيم القاعدة في العراق، ثم أمير دولة العراق الإسلامية، وصاحب إعلان الوحدة بين دولة العراق الإسلامية، وجبهة نصرة أهل الشام في سوريا تحت مسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وأخيرا خليفة المسلمين، وكان مسئولا عما يسميه تنظيم القاعدة المحكمة الإسلامية التي تخطف من تعتبرهم كفارا أو مرتدين عن الإسلام، وتعرضهم على المحكمة الدينية التي تصدر قرار بتنفيذ حكم الإعدام علنا فيهم.
الجريدة الرسمية