التحالف العربي من أجل السودان: إعلان باريس أثار جدلًا كبيرًا ولا زالت تداعياته مستمرة.. صدر بعد مناقشات مطولة.. «الحركة الشعبية» تبشر بمشروع دولة المواطنة.. وإعادة «المهدي» لصفوف ا
أصدر التحالف العربي من أجل السودان، تقريرا حول تأثير إعلان باريس الذي جرى توقيعه مؤخرًا بين زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي، وبين رئيس الجبهة الثورية السودانية مالك عقار، والذي أثار جدلا واسعا وردود أفعال متباينة في الساحة السودانية.
وأشار التقرير إلى أنه لازالت تداعيات الإعلان مستمرة، فبينما أكد الطرفان على إنهاء الحروب في جميع أنحاء السودان كمدخل لإجراء حوار شامل وإحداث تغيير سلمي بتوحيد قوى التغيير وتحقيق التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة بلا تمييز، وفي حين التزمت الجبهة الثورية بوقف العدائيات في كآفة الجبهات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق من جانب واحد لمدة شهرين قابلة للتجديد لتمرير مواد الإغاثة للمتضررين، أعلنت الحكومة رفضها للوقف الجزئي وطالبت بوقف شامل للعدائيات وليس مؤقت، ومن ثم رفضها للإعلان بشكل كامل، وظهر رد فعلها باعتقال نائبة رئيس حزب الأمرة مريم الصادق المهدي، غير أن الكثريين مشككيين في أن يكون أن تحرك المهدي مرتبط بعلم الحكومة.
وقال التقرير إن إعلان باريس الذي وقعه المهدي وعقار جاء نتيجة مناقشات مطولة وحوارات مكثفة توافقا فيها ﻋﻠﻰ ﻋدﻡ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻘﺒﻠﺔ ﺇﻻ ﺗﺤﺖ ﻇﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﺗﻨﻬﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺇﺟﻤﺎﻉ ﻭﻃﻨﻲ ﻭﻧﺘﺎﺝ ﻟﺤﻮﺍﺭ ﺷﺎﻣﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﺜﻨﻰ ﺃﺣﺪ، لكنه إصطدم بقضية المواطنة التي ذكرت على "استحياء" في آخر البيان، بعبارات تعكس حجم الخلاف بين الطرفين ومرد الخلاف يبدو واضحًا لطبيعة المشروع الذي يعبر عنه كل طرف.
ولفت التقرير إلى أن الحركة الشعبية لشمال السودان تبشر بمشروع السودان الجديد، مشروع دولة المواطنة على أسس العدالة والمساواة، وتطالب بعلمانية الدولة وترى أنها الأنسب لنظام الحكم في السودان بتعدده الإثني والعرقي والثقافي، وتشير إلى أن الظروف التي أدت إلى إنفصال الجنوب لازالت متوفرة، يمكن أن تجبر مواطني النيل الأزرق وجنوب كردفان بالمطالبة بتقرير مصير إبتعادًا عن سياسات التهميش والإقصاء التي يمارسها المركز، ولازال حديث الرئيس عمر البشير في مدينة القضارف قبيل الإنفصال بأيام يتردد على مسامع المواطنين، بأنه سيتم تعديل الدستور ليصبح دستور إسلامي وتعهد بالتشدد في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ودافع عن قانون النظام العام وأطلق يد الشرطة في جلد كل من يخالف أحكام القانون، مما أحبط الأقليات الدينية في السودان بعدم كفالة الدولة لحقوقهم مما أعطاهم شعور بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية.
وأوضح التقرير أنه وبينما يبشر المهدي بمشروع الصحوة الإسلامية "مشروع ذو مرجعية ديينة" وظل يردد في كل خطاباته "أن الصحوة الإسلامية والإحياء الإسلامي مشروع مستقبلي"، كان طبيعيًا أن ينصرف الطرفين عن حسم قضية علاقة الدين بالدولة، ولذلك أجلا النقاش حول هذه القضية وإكتفيا بالإشارة إلى أن الطرفين ناقشا بعمق تلك القضية ﻛﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻭﺍﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﻟﺼﻴﻐﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﻟﻜﺎﻓﺔ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ"بحسب البيان".
وأكد التقرير على أن هناك العديد من ردود الأفعال المتباينة، ورغم اعتقال مريم الصادق إلا أن البعض يشكك في نوايا المهدي إستنادًا على مواقف سابقة طيلة عمر الإنقاذ، إلا أن المهدي يدافع عن مواقفه من مبدأ المعارضة السلمية أوما أطلق عليه "الجهاد المدني" والذي يهدف للتغيير بعيدًا عن استخدام العنف، واعتبر البعض أن المهدي يلعب دور الوساطة بين الحكومة والجبهة الثورية، كما سبق أن دعا إلى حوار "شمالي ـ شمالي" بين ألوان الطيف السياسي، بما فيهم المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية تحديدًا، وبقية الحركات، بينما ذهب البعض إلى أن المهدي يستقوي بالجبهة الثورية نفسها بعد أن نعى الحوار مع المؤتمر الوطني ليساوم مرة أخرى بسقف أعلى، خاصة بعد أن ذهب الأخير في الترتيب للانتخابات القادمة وبإنشاء مفوضيتها وإجازة قانونها وتحديد موعد إجرائها في أبريل القادم دون التشاور مع القوى السياسية وغير آبه للحوار الذي أعلن عنه، مما يرجح رأي القوى الرافضة للحوار بأن هذا الحوار كان هدفه لم شمل الإسلاميين والواضح من موقف المؤتمر الشعبي بزعامة د.حسن الترابي بتمسكه بالحوار رغم تعثره وخروج حزب الأمة وحركة التغيير الآن منه، إضافة إلى ضغوط قطر بمواصلته وإستكماله، خاصة وأنها لعبت الدور الرئيسي في إقناع الترابي بالذهاب للحوار.
فيما اعتبر مراقبون أن المكسب من "إعلان باريس" إعادة المهدي إلى صفوف المعارضة، بعد أن كان حزبه الأقرب للنظام ووقع معه عدة إتفاقيات بداية من نداء الوطن عام 2000 التي فارق بموجبها التجمع الوطني المعارض، ثم الوفاق الوطني وبعدها التراضي الوطني، وآخرها الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، والذي جاء بالتزامن مع ضعف النظام وعجزه في البحث عن حل لمعالجة قضايا الوطن، إلا أن كل تلك الإتفاقيات لم تغير مواقف النظام وظل يستأثر بالسلطة بقبضة حديدية تتمثل في قمع الحريات وحرية الرأي والتعبير واعتقال السياسين والناشطين.
وأقر الطرفان ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ وفق ﺃﺳﺲ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻭﻳﺔ، وأمنا على أن وقف ﺍﻟﺤﺮﺏ باعتباره ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻷﻱ ﺣﻮﺍﺭ ﻭﻃﻨﻲ ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ﺩﺳﺘﻮﺭﻳﺔ ﺟﺎﺩﺓ ﻣﻊ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻟﺘﺮﺗﻴﺒﺎﺕ ﺣﻜﻢ إﻧﺘﻘﺎﻟﻲ.
وترك الطرفان الخيار للقوى السياسية في الانضمام لإعلان باريس أو عدمه، وقالا "نتقدم ﺑﺈﻋﻼﻥ ﺑﺎﺭﻳﺲ ﻟﻜﺎﻓﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﺠﻬﻮﺩﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻹﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻭﺣﺪﺓ ﻗﻮﺍﻩ"، وأتفقا ﺃﻧﻪ ﻻ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺑﻴﻦ الحل السلمي الشامل ﻭﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﻛﺨﻴﺎﺭ ﻣﺠﺮﺏ.
وبدأ المهدي في اتصالات مكثفة مع القوى السياسية بما فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم لتسويق إعلان باريس، وبينما أكد الأمين السياسي للحزب الحاكم مصطفى عثمان إسماعيل تلقيه اتصالا من المهدى، ونقل إسماعيل للمهدى بان الحزب الحاكم سيدرس الاتفاق من كل جوانبه قبل أن يتخذ موقفه المناسب حياله.
بيد أن مساعد الرئيس ونائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم، بروفيسور إبراهيم غندور أعلن رفض الحكومة وحزبها الحاكم "لإعلان باريس" واعتبرته موازٍ لبرنامج الحوار الوطني ونقلت وسائل إعلام تصريحًا لغندور بقوله أن القوى الموجودة في باريس تسبح عكس التيار الوطني العام، ويعملون خلافًا للإرادة السودانية".
بينما قال الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال المتمرد ياسر عرمان، أن الاجتماع مع المهدي يعتبر بداية لسلسلة لقاءات بين القوى السياسية والمدنية لبلورة رؤية موحدة حول التغيير والحوار الوطني. ونفى أن يكون للاجتماع علاقة بأجندة العمل المسلح، مشيرًا إلى أنه يهدف إلى حل سلمي شامل وتحول ديمقراطي في السودان.
وأعلن الحزب الشيوعي ترحيبه بالإعلان بينما اعتبرت حركة الإصلاح الآن أن إعلان باريس يصلح أن يكون أرضية للتواصل مع الآخرين من حملة السلاح للانخراط في الحوار.
غير أن موقف حزب المؤتمر الشعبي جاء مؤيدًا للوطني حيث هاجم كمال عمر المسئول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي إعلان باريس ووصفها بالوثيقة الثنائية حول قضايا لم يتفق عليها حتى الآن، مشيرا إلى أن الوثيقة قصد بها الترويج السياسي كونها تسهم في الحوار، مؤكدا رفض الحزب لاي حوار يأتي من الخارج معتبرا إياها غير مؤهلة لحل قضايا السودان وان المؤهل هو الحوار الوطني.
ومن بين البنود الأكثر توافقًا بين القوى المعارضة والتي تشير إلى إسقاط النظام، مانصت عليه الوثيقة عن ﻣﺒﺪﺃ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻓﻼﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺭﺩ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ وحمل الطرفان ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻹﻧﻘﺎﺫ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻭﺗﻮﺳﻴﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﻓﺼﻞ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ وﺗﻜﺮﻳﺲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺕ ﺍﻹﺛﻨﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻤﻨﻬﺞ ﻭﺗﻤﺰﻳﻖ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ.
وقلق الحكومة يكمن في أن يتفق المهدي مع الجبهة الثورية كجهة تحمل السلاح أن يعود المهدي لدعم العمل العسكري مرة أخرى، فقد سبق له أن شارك في جبهة الشرق مع قوات التجمع الوطني الديمقراطي بجيش الأمة، ورغم أن هذا الإحتمال مستبعد ولكنه ذريعة تتعامل بها الحكومة مع كل من جلس مع حملة السلاح وتحاور معه، غير أن المهدي لايميل إلى حمل السلاح كما لايمكن أن يتخذه وسيلة لتحقيق رغباته.
يذكر أن التحالف العربي من أجل السودان تأسس في مايو 2008، ويضم أكثر من 130 منظمة من منظمات المجتمع المدني العربي في 19 دولة عربية تناصر حماية ومساعدة من يعانون من أثار النزاع في شتى أنحاء السودان، وتسعى لتحقيق السلام لهم.