رئيس التحرير
عصام كامل

ساعة الرمل


ما هى القوة التى يتميز بها الموت عمومًا؟ وما معنى التضحية التى تصل إلى حد الموت، وهل الموت ليس مرتبطًا بالتضحية بالضرورة؟ وهل يمكن لأكبر تضحية ألا تكون دموية؟


تتواتر الأسئلة، لكنها طيور بلا أجنحة، فليس هناك جواب شاف لهذا الزخم الهائل من الأسئلة، لكن السؤال الأهم والأخطر هو من لشباب مصر؟ ومن يرد لشباب مصر ثورته المسلوبة؟؟ فالقاضى هو الجلاد!!

تلك الثورة البيضاء التى شهد لها العالم أجمع وباتت تدرس فى الأمم المتحدة لنموذجيتها، وباعتبارها مثالاً وواقعًا لمعنى الثورة، ثورة قضت على حكم لستة عقود من الحكم الدكتاتورى الفاشى الذى حكم مصر بالحديد والنار، وحول مصر لدولة بوليسية، ثورة قامت لأجل الأفضل لشعبها الصبور الذى تحمل معاناة سنوات مديدة من الفقر والجوع وإهدار الكرامة.. ثورة صهرت كل المصريين ليعاد تشكيلهم فى نسيج واحد.. ثورة قامت للخروج من بوتقة العهود العجاف التى عاشها المصرى مهدور الكرامة معدوم الأمان .

ثورة قضت على شبح الخوف القابع على أنفاس الشعب فحررته من الخوف وبدأ يحلم بغد أفضل وأيام قادمة تزف الأخبار السعيدة .. ثورة حلم معها المصريون بالحب والكرامة والتآخى والرخاء.. ولكن هيهات.

فالثورة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وما زال شباب مصر ينزف دماءه الطاهرة ويقدم سنوات عمره فداء للوطن، ولم يتوان عن دفع فاتورة استمرارية الثورة .. ولكن ما زال النظام البائد يعمل بقوة من خلال فندق يأويه وليس سجنًا يعاقبه! وما زال التيار الإسلامى الممول من دول الجوار يسعى لجر مصر للخلف ويفرز مناخًا ملتهبًا .. يناقش ويبحث عن توافه الأمور كتقييم الأعمال الأدبية وتكفير النساء فى الوقت الذى تجاهل فيه الأمور الجسام .. ونسى الجميع الأسئلة الحقيقية التى يجب ان نطرحها جميعًا على أنفسنا:
من المسئول عن جراح قلب أم فقدت ابنها طالب الطب؟ ومن يضمد جراحها ؟ من المسئول عن انتهاك حرمة فتاة عذراء؟ ومن يرد لها إنسانيتها؟ من وراء تأسد تيارات (إسلاموية ) خرجت من باطن الأرض كبركان مدمر؟ من يحمى مصر من الطوفان القادم؟ من شرع أبواب مصر لكل طامع.

الثورة قامت للأفضل، ولكن هيهات فالعنكبوت ينسج خيوطه الواهية الدقيقة على كل الجدران .. فالسياحة قضى عليها والاستثمار الجاد هرب والبطالة زادت ولانسمع فى الأجهزة المرئية أو المسموعة سوى أصوات لتيارات مؤدلجة.
لقد ظُلم الشعب المصرى حينما وٌصِف بالمتخاذل، وحينما قام وانتفض وثار على نفسه وكسر حواجز الصمت أردوه قتيلاً!

يا قتلة شباب الثورة، اقرأوا تاريخ مصر جيداً لتعلموا: إن مصر أمة تشبه ساعة الرمل، تجدد روحها دائمًا بالانقلاب، واعلموا أن الأمة التى غيرت لغتها وديانتها ثلاث مرات، لن يصعب عليها تغيير حكامها.. وإن غدًا لناظره لقريب.
الجريدة الرسمية