رئيس التحرير
عصام كامل

الوزراء لا يرحلون


تعاقبت على مصر حكومات كثيرة بعد ثورة يوليو 1952، ومن ثم تغيرت الوزارة كثيرا، ليس بعدد الحكومات لأن بعض رؤساء الوزارات طال عمرهم في الوزارة رغم تغيير وزرائهم.. هذا أمر طبيعي حتى إذا كانت بعض الوزارت تغيرت قسرا. لدواعي النصر أو الهزيمة أو الانتفاضات أوالثورة. في الخمسينات من القرن الماضي لم يكن لدينا غير الإذاعة المصرية ومن ثم كانت فرصة رجال السياسة قليلة فيها. خاصة أن عبد الناصر كان هو الأول، استمر الأمر في الستينات.

ورغم ظهور التليفزيون كانت الفرصة الأكبر للرئيس واجتماعات الرئيس، كانت الوزارة تتغير فيخرج وزراء ويدخل وزراء ويصبح الذين خرجوا نسيا منسيا.. استمر الأمر مع الرئيس السادات أيضا واستمر كذلك على الأقل العشرين سنة الأولى من حكم مبارك.

كان معروفًا أن من يخرج من الوزارة لا يتكلم عنها أبدًا مرة أخرى ولا عن نظام الحكم وإلا قد يجد عسفًا من أي نوع أقله اللوم، وفي السنوات الأخيرة لحكم مبارك بدأت تطل علينا وجوه بعض من عملوا مع مبارك من الوزراء يقدمون الحلول لأزماتنا الذين كانوا هم من صناعها حين كانوا وزراء ! اتسعت مساحة الميديا وازدادت الصحف والفضائيات وبحثت عن مادة مثيرة.

بالطبع مثير جدًا أن تسمع رئيس وزارة سابق يقول رأيه في الحاصل، خاصة إذا كان قد مضى على خروجه وقت طويل ونسيت الناس ما قدم من سوء إدارة ! وازداد الأمر جدًا بعد ثورة يناير، كنت أعرف مثل غيري أنه ليس متاحًا لمن يخرج من الوزارة أن يتكلم فيها لأن هذا يعني أنه كان ناجحا لكن سبب الفشل هو رئيس الوزارة أو بصفة خاصة رئيس الجمهورية الذي لا يقبل ظهور أحد أكبر من ظهوره !

ازدات ظاهرة ظهور الوزراء ورؤساء الوزارات بعد ثورة يناير 2011 وكلهم تحدثوا عن حلول لأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالذات وكلهم كانوا صناع هذه الأزمات ! اتسع الأمر مما أكد لي أن سياسة كل النظم السابقة منذ يوليو 1952 كانت تمنع ظهور أحد من الوزراء بعد خروجه، لكن في نفس الوقت لا أستطيع أن أنسى أن من يتكلم أمامي كان أحد أسباب الفشل في النظام الذي أدى إلى ثورة عظيمة.

والآن يظهر بعضهم في الصحف أيضا، لم لا، الصحف تبحث عن الإثارة ولا يسأل من يظهر في الصحف أو التليفزيون نفسه أنه كان في الحكم ولا يسأله الصحفي أو المذيع أبدا كيف وقد كنت في الحكم لم تفعل ذلك.. هل يمكن أن يأتي يوم يعود فيه الوزراء الخارجون من الوزارة إلى الصمت عن الحلول وعن الخطط المستقبلية في البلاد؟

أتمنى منهم بحق أن يختفوا ويتركوا الطريق لغيرهم من أجيال أخرى أو حتى من جيلهم ممن لم يعمل كوزير من قبل، على هؤلاء الأفاضل أن يكفوا عن "الفتي" وتقديم النصائح وينشغلوا بحياتهم وحياة أولادهم وأحفادهم إذا كان لديهم أحفاد، أو بالحياة نفسها ويستمتعوا بمباهجها بعد أن صار لديهم فلل في مارينا أو المعمورة أو المنتزه أو لسان الوزراء بالإسماعيلية.

هل يكره أحد لديه هذه الإمكانية أن يعيش حياته ويستمتع بها بعيدًا عن الأضواء؟ للأسف في مصر فقط يخرج الوزراء المقالون من وزاراتهم يقدمون حلولا رغم أن كل ما حولنا من فساد وعشوائية وتخلف هو من أعمالهم أو على الأقل صمتهم عليه وهم في الوزارة.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية