رئيس التحرير
عصام كامل

عميد الفقه الدستوري


أكتب اليوم عن عالم لن تضيف كلماتى عنه جديدًا، فهو بحق أستاذ أساتذة الفقه الدستورى والإداري في العالم العربى.. وعميد فقهائه الذي أثرى المكتبة القانونية العربية.. بمئات المراجع والمؤلفات القانونية في القانون الدستورى والإداري.. منذ أن قدم الدكتور مصطفى أبوزيد فهمى أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في القانون العام من جامعة باريس عام 1954، بعنوان نظرية الظروف الاستثنائية في قضاء مجلس الدولة المصرى والفرنسى، والتي أرسى بها نظرية قانونية هامة في الفقه القانونى والدستورى، إلى الحد الذي أشاد به العلامة مارسيل فالين في مجلة القانون العام بعددها الصادر في باريس عام 1955، واعتبرها تطورًا هامًا في الفقه الدستورى. 

منذ عام 1954 وحتى الآن.. قدم هذا الأستاذ العلامة للفقه القانونى العربى، مئات المراجع القانونية القيمة التي لا غنى لأى باحث في القانون الدستورى أو القانون الإداري عن الرجوع إليها والتعلم منها، والتي تمثل نفائس قيمة في المكتبة القانونية العربية، من هذه الكتب على سبيل المثال الوسيط في القانون الإداري، القانون الدستوري المصري، النظرية العامة للدولة، النظم السياسية والقانون الدستوري، طرق الطعن في أحكام مجلس الدولة، الدعاوى الإدارية دعوى الإلغاء - دعوى التسوية، القضاء الإداري، انهيار الماركسية كان أمرًا طبيعيًا والنظام الدستورى الإسلامي هو الحل المرتقب، فن الحكم في الإسلام.

سأتوقف قليلا عند آخر كتابين وهما "انهيار الماركسية كان أمرًا طبيعيًا والنظام الدستورى الإسلامي هو الحل المرتقب"، و فن الحكم في الإسلام"، فكتابه القيم انهيار الماركسية والنظام الدستورى الإسلامي هو الحل المرتقب، يمثل رؤية مستقبلية وثاقبة وواضحة لهذا العالم الجليل لمستقبل الوضع السياسي والدستورى آنذاك، إذ تنبأ في كتابه بانهيار الماركسية وعدم صلاحيتها للبقاء وللاستمرار كنظام للحكم، وقد أثبتت الأيام صحة رؤيته الثاقبة ودقة تحليله العلمى، فأفلست الماركسية وفشل النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، وهو ما تنبأ به قبل غيره من الفقهاء.

أما مؤلفه القيم فن الحكم في الإسلام، والذي صدرت طبعته الأولى في مايو 1981 في ظروف سياسية غير مواتية لمثل هذا المؤلف، إذ كانت تمر مصر آنذاك بصراع بين تيار يلبس زورًا ثوب الإسلام وتيارات سياسية أخرى، لكنه كانت له رؤية مغايرة بضرورة إعادة صياغة أسلوب الحكم والإدارة في شتى المجالات وفق مبادئ الشريعة الإسلامية الصحيحة بعيدًا عن الغلو والتعصب والفهم الخاطئ لصحيح الإسلام، فكشف زيف من كانوا يرتدون رداء الإسلام ويتحدثون باسمه وهم أبعد ما يكونون عنه، وعن قيمه، فهب كاشفا زيفهم.. ومدافعًا عن صحيح الإسلام الوسطى.. وكتب في مقدمته.. عبارات خالدة بقوله إن المسلمين يخطئون ولكن الإسلام لا يخطئ.. إن المسلمين يخطئون ولكن الرحمن لا يخطئ.. ووضع في مؤلفه هذا مبادئ للحكم الرشيد مستمدة من صحيح الإسلام تقول للحاكم كيف يحكم فيستقر حكمه.. وكيف يقرر فلا يضيق الناس بما يقرر.. فتستقر البلاد وتنصلح أحوال العباد.. 

لم يبخل الدكتور مصطفى أبوزيد فهمى على وطنه يوما برأى أو مشورة.. حتى لو كانت على عكس رأى الحاكم.. ويكفى في هذا الصدد مقاله الرائع الذي كتبه بحروف من نور بقوة وشجاعة الفقيه العالم، بعنوان "يا رئيس مجلس الشعب حكومة الدكتور نظيف ليست دستورية بل مغتصبة".. وفي سابقة نادرة أن تسند وزارة العدل إلى أستاذ للقانون وليس لأحد رجال القضاء، عين وزيرا للعدل في عهد الرئيس محمد أنور السادات، كما عين أول مدعٍ عام اشتراكى في تاريخ مصر، إذ تولى منصب المدعي العام الاشتراكي في خلال حقبة السبعينات من القرن العشرين، وقد أعاد من خلاله الملايين من أموال الشعب المنهوبة.

إن ما سطرته شهادة حق تجاه واحد من خيرة علماء مصر، الذي تعلم على يديه الآلاف من رجال القانون والقضاء في العالم العربى. 
الجريدة الرسمية