رئيس التحرير
عصام كامل

العزاء وقدسية القرآن


كنت في عزاء والد أحد أصدقائي والذي كان فيه أحد المقرئين الكبار، والذي بدأ قبل تلاوة القرآن بترتيب أتباعه حوله، إننى كنت أظن أن هؤلاء هم المختصون بالصيانة لمعدات الصوت، إذ كان العزاء مزودًا بعدد كبير من السماعات والميكروفونات التي تكفى لإسماع مدينة كاملة بدلا من مكان محدد في وقت نرى فيه المريض والمبتلى وكبير السن في بيته لا يستطيع أن يشعر بالراحة ولا يستطيع أن يعبر عن مدى استيائه من الصوت العالي الذي لا يسمع الموجودين فقط وإنما تهتز له المنطقة جمعاء.
ومع ذلك ومع بداية التلاوة وعندما ينتهى المقرئ من تلاوة كل آية، تسمع "وحدوه" "الله يا عمى الحاج" "تانى وحياة أبوك" "اشجينا الله يكرمك" "الله يفتح عليك ويزيدك من نعيمه يا شيخنا الجليل".

لم تقتصر التلاوة على ذلك فقط وإنما كان مشهدًا آخر حيث بدأ الأتباع في الضحك مع الشيخ والمذهل أن الناس من كثرة ما تعودت على ذلك ترى أن ذلك لا غبار عليه وأن هؤلاء هم الذين يعطون للمقرئ السمعة والاسم في السوق.

لا أستطيع أن أعبر عن مدى شعوري وأنا أتابع ما يفعله المقرئ وأتباعه وسط حزن الناس والبكاء الصامت على فقدان والدهم وسكوتهم عما يرونه من مسرحية هزلية تجامل المقرئ على حساب الناس الذين جاءوا إلى العزاء. ومن الغريب أيضًا أن أصحاب العزاء لم يستطيعوا إيقاف المهزلة لأنهم يرون أن ذلك هو عمل المقرئ وأنه لا يستطيع أن يؤدى عمله إلا في جو من التشجيع والتحفيز ولهذا فهو يستأجر الأتباع للقيام بهذه الوظيفة.

من زمن طويل ونحن نرى ذلك والناس بالطبع أحرار، ولكن ما يهمني قدسية قراءة القرآن التي وصلت إلى درجة لا يمكن قبولها، ولا يمكن أن يتدبر الناس الآيات وهم يرون الضحكات والتعليقات على التلاوة التي تثير الناس ولا تناسب ما يتلى بل وتعطى صورة غير مقبولة لمن يقرءون القرآن، وتنال من قيمتهم وتلاوة القرآن على حد سواء.

آن الأوان أن نغير ما نرى من أخطاء ونحاول أن نمنع الصورة التي يمكن أن يراها الناس غير مقبولة، مادمنا عرفنا أنها خطأ، ولكن من كثرة التكرار رأيناها واقعًا وتعودنا عليه مع أنها صورة للأسف في النهاية لا تليق.
الجريدة الرسمية