رئيس التحرير
عصام كامل

ننشر حيثيات حكم "إداري كفرالشيخ" بإلغاء قرار وزير الصحة بارتداء ممرضة النقاب.. خبراء: الحكم أفضل رد على "رايتس ووتش".. ومنظمات مصرية وعربية تقرر ترجمة الحكم لمبادلته مع دول الغرب

الدكتور عادل عدوى
الدكتور عادل عدوى وزير الصحة

قضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية المستشارين عبد الحميد متولى وزكى الدين حسين، نائبى رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار وزير الصحة السابق بتفويض وكيلة وزارة الصحة بمنع المدعية آمال محمد إبراهيم من ارتداء النقاب أثناء ممارستها لعملها كممرضة بمستشفى سيدى سالم المركزى، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام وزارة الصحة بتمكين المدعية من أداء عملها مرتدية النقاب كحرية شخصية مع التزامها الجوهرى بالزى الموحد للمرضات على مستوى الجمهورية وألزمت الحكومة المصروفات.

الإسلام دين الدولة

قالت المحكمة إن المشرع الدستورى أقر بأن دين الدولة الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ورصد الحقوق الشخصية في بوتقة الحقوق الطبيعية التي لا يسوغ المساس بها وساوى فيها بين سائر المواطنين - ذكورا وإناثا مسلمين وأهل الكتاب - وأطلق حرية الاعتقاد الدينى وحرية ممارسة الشعائر الدينية لهم.


وأضافت المحكمة أنه: إذا كان ارتداء النقاب بالنسبة للمرأة المسلمة هو أحد مظاهر الحرية الشخصية فإن هذه الحرية لا ينافيها أن تلتزم المرأة المسلمة وفى دائرة بذاتها في الأماكن الحكومية العامة بالقيود التي تقدمها الجهة الإدارية أو المرفق على الأزياء التي يرتديها بعض الأشخاص في مواقعهم من هذه الدائرة، لتكون لها ذاتيتها فلا تختلط بغيرها، بل يستقلون في مظهرهم عمن سواهم ليكون زيهم موحدًا متجانسًا ولائقًا بهم دالا عليهم ومعرفًا بهم وميسرا صور التعامل معهم؛ حتى لا تكون دائرتهم نهبا لآخرين يقتحمونها غيلة وعدوانًا ليلتبس الأمر في شأن من ينتمون إليها حقا وصدقا، كما هو الشأن بالنسبة للقوات المسلحة والشرطة والمستشفيات وغيرها، وترتيبا على ذلك فإن المرأة المسلمة التي ارتضت النقاب لباسا لها- أخذًا بحريتها الشخصية -عليها أن تلتزم بما تفرضه الجهات الإدارية من أزياء على المنتمين لها في نطاق الدائرة التي تحددها إن هي رغبت في الاندراج ضمن أفراد تلك الدائرة.

ليس محظورًا

وذكرت المحكمة أن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها، إن لم يكن واجبًا شرعيًا في رأى، فإنه في رأى آخر ليس محظورا شرعا ولا يجرمه القانون كما لا ينكره العرف ويظل النقاب طليقا في نطاق الحرية الشخصية ومحررا في كنف الحرية، ومن ثم لا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية على المرأة، لما يمثله هذا الحظر المطلق أو المنع الكلى من مساس بالحرية الشخصية في ارتداء الملابس ومن تقييد لحرية العقيدة ولو كان إقبالا لمذهب ذى عزيمة أو إعراضًا عن آخر ذى رخصة دون تنافر مع قانون أو اصطدام بعرف، بل تعريفا وافيا لصاحبته ومظهرا مغريا بالحشمة ورمزا داعيا للخلق القويم عامة، فلا جناح على أمراة أخذت نفسها بمذهب شدد بالنقاب ولم ترتكن إلى آخر خفف بالحجاب أيا كان الرأى في حق المشرع الدستورى في الانتصار لمذهب شرعى على آخر في مسألة داخلة في العبادات أسوة بحقه هذا في نطاق المعاملات.

وأكدت المحكمة أن الأوراق كشفت عن أن المدعية مرتضية وملتزمة لدعوى كل راغب في التحقق من شخصيتها لدى دخولها مقر عملها بالمستشفى والأقسام الداخلية، كما أنها ملتزمة بالزى الموحد للتمريض شأن قرنائها، لكنها ترتدى النقاب فوق الزى الموحد لمهنة التمريض، كما أن الأوراق قد أجدبت ما يفيد أن ارتداء المدعية لزيها الإسلامي يؤثر سلبا على أدائها لمهام وظيفتها أو يعوق أداءها لها، ما يكون معه القرار المطعون فيه مخالفًا لأحكام الدستور لما تضمنه من مساس بحرية المدعية الشخصية وما يلائمها من ملابس فلا إجبار على المدعية إن شاءت ارتدت النقاب أخذا بالمذاهب المتشددة التي تستوجب لزومه أو خففته بالخمار أخذا بالمذاهب المخففة التي تستوجب الخمار أو تطرحهما جانبا وتسدل شعرها على جسدها دون حاجب له وفقا لحريتها الشخصية التي كفل الدستور تنظيمها.

ليس له مردود سلبي

وأضافت المحكمة أنه: لا عبرة بما ذكرته وزارة الصحة من أن ارتداء الممرضة النقاب له مردود سلبى لعدم التواصل بين الممرضة والمريض فذلك مردود عليه بأن العلاقة بين الممرضة والمريض هي علاقة نفسية محسوسة قوامها العطاء والقدرة على البذل ووجود الممرضة حيث يطلب المريض وقتما يشاء، وليست علاقة مادية ملموسة تستلزم رؤية المريض لوجه الممرضة، فإظهار الوجه ليس من أدوات تقديم خدمة التمريض الطبية، فضلا عن أن الرعاية العلاجية المقدمة بقسم الطب العلاجى لا تستدعى التواصل بين المريض والممرضة على نحو تكشف فيه له عن وجهها بقدر ما تستلزم ضمان أداء الممرضة لعملها بنفسها بدقة وأمانة وصدق وضمير.

حرية العقيدة

وذكرت المحكمة - في سبيل الكشف عن كنوز الشريعة الإسلامية لحقوق الإنسان - أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن حرية العقيدة من أخص حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية وهى في مجملها أحكام شرعية مصدرها إلهى أثبتها الله سبحانه وتعالى للإنسان وجاء خطاب التكليف فيها للإنسان لمجرد كونه إنسانا تحقيقا لمصلحته خاصة ومصلحة مجتمعية عامة، وهى تتميز بالعموم والشمول والعالمية مثل قوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقوله تعالى "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " وقوله جل شأنه "قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا"؛ فهى حقوق إذن تثبت لكل إنسان في أي زمان وأى مكان ولكافة الناس دون تمييز فيما بينهم، وحقوق الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية لا تستمد عظمتها وقوتها من مجرد مفاهيم نظرية ومبادئ فلسفية يدعمها العقل والمنطق فحسب بل لكونها قابلة للتطبيق في كل بيئة مكانية وزمانية، والسبب في ذلك التوازن الفريد الدقيق الذي تتميز به الشريعة السمحاء بين الحقوق الفردية وحقوق المجتمع دون تغول إحداهما على الأخرى ولتوافقها مع حدود الاستطاعة البشرية، وهو مالا يتحقق في ظل أي نظام وضعى من صنع البشر مالم يستمد من الإسلام روحه ومبادئه، كما أنه من عظمة الإسلام أنه لا يحرم من التمتع بهذه الحقوق من لايؤمن بالله ربًا ولا يعترف به إلهًا سبحانه وتعالى.

مقارنة

وعقدت المحكمة - ولأول مرة في تاريخ القضاء - مقارنة بين أحدث الأحكام الصادرة من المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان منذ شهر وبين تقدم الشريعة الإسلامية عليها وتفوق القضاء الإداري المصرى الذي استلهم كنوزها، بقولها إن المحكمة وهى جزء من نسيج هذا الوطن لا تستطيع أن تغض الطرف عما تثيره الحرية الشخصية وحرية العقيدة في المجتمع الدولى؛ للوقوف على مدى تقدم الشريعة الغراء على تلك المفاهيم الغربية الحديثة.

وأكدت المحكمة أنه بهذه المثابة يظهر الفارق واضحًا بين حقوق قررها الإسلام للإنسان وبين ما تقرره النظم الأوربية في دولة معينة أو منظمة دولية، فحقوق الإنسان في الإسلام هي حقوق في طبيعتها عالمية منحها الله للبشر كافة في جميع أنحاء العالم دون تمييز، وهى حية قائمة بذاتها وليست مأخوذة من غيرها وهى قابلة للتطور كالحياة وتنطوى على ثروة من المفاهيم والمعلومات والأصول الحقوقية التي تستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها "ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون"، وهى لا تموت إلا بالفناء لأنها من صنع خالق الموجودات.

أما حقوق الإنسان في أوربا، فهى قاصرة على ثقافة غربية محدودة الأفق لا تتعدى الحدود الجغرافية للمكان ولا تتجاوز الحدود الوقتية للزمان، وآية ذلك أن فرنسا وبلجيكا كليهما يعتبر النقاب في الأماكن العامة جريمة جنائية يعاقب عليها القانون الجنائى في كلتيهما، ففى فرنسا عقوبة المرأة التي ترتدى النقاب 150 يورو أو الخضوع لفترة تدريب عن المواطنة ويعاقب كل من يرغم امرأة على وضع النقاب على وجهها بالحبس مدة سنة وغرامة 30 ألف يورو.

ورتبت المحكمة على المقارنة بين الروح العالمية لحقوق الإنسان في الإسلام والروح المحدودة للثقافة الغربية في أوربا عن حقوق الإنسان، أن فقه الإسلام واسع الأفق إلى درجة تثير كل العجب في أن بلاد المسلمين في عصرنا الحديث لا تستنبط منه كافة الحقوق والحريات كما كان الأولون الذين استنبطوا منه مجدا علميا وحضاريا ساد العالم أحرزه المسلمون فترات طويلة من التاريخ في وقت كانت أوربا الأمية تزخر بالجهل والحرمان بينما كان المسلمون يحملون إمامة العلم وراية الثقافة وهو ما يتطلب من علماء المسلمين في كافة الأقطار الإسلامية خاصة الأزهر الشريف مهد الحضارة الإسلامية استنهاض الهمم للكشف عن كنوز الشريعة الغراء والعمل على تحقيقها على أرض الواقع لرفعة المسلمين.

إنصاف المنتقبة

كما أكدت المحكمة أنه من واجب الإنصاف في هذا المطاف أن المحكمة وقد انتهت إلى أحقية المدعية في ممارسة عملها في المستشفى التابع لوزارة الصحة وهى مرتدية النقاب انبثاقًا من كفالة حريتها الشخصية التي لا تضر بحق المجتمع وحريتها في العقيدة وممارستها لها في إطار النظام العام تكون قد تفوقت على ما قررته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من مشروعية القانون الذي فرضته فرنسا بحظر ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة في فرنسا للموظفين وغيرهم تحت سند من القول إن ظروف العيش المشترك هي هدف مشروع وإن القانون الصادر في فرنسا عام 2010 - والذي دخل حيز التنفيذ في أبريل 2011 - لا يتناقض مع معاهدة حقوق الإنسان الأوربية باعتبار أن الوجه يلعب دورا مهما في التفاعل الاجتماعى دون التعرض لأية دلالات دينية، وهو اتجاه في حقيقته يمثل تغولا على الحقوق الفردية بما يؤدى إليه من اختلال التوازن بين الحق الفردى وحق الجماعة.

وأضافت المحكمة أنه: لا مبالغة في القول إن تفوق القضاء الإداري المصرى مؤيدًا بقضاء المحكمة الإدارية العليا على نظيره الفرنسى في هذا الشأن؛ إذ أجاز مجلس الدولة الفرنسى قانون حظر النقاب في الأماكن العامة بحجة الضرورة اللازمة للتعرف على الموظفين، بينما كفل الإسلام كشريعة عالمية حقوق البشر كافة - خاصة المرأة - في كل زمان ومكان دونما نظر إلى البيئة المكانية أو الزمانية لهؤلاء البشر على اختلاف أجناسهم وفى توازن فريد بين الحق الفردى وحق المجتمع، بين الصوالح الخاصة والمصلحة العامة ومن ثم يظهر تفوق القضاء الإداري المصرى في إبداعاته المنبثقة من روح الشريعة الإسلامية الغراء بعظمتها وسموها وكمالها الصالحة لكل زمان ومكان لأنها من صنع الله خالق كل شيء وهو الخبير العليم.

واختتمت المحكمة حكمها العالمى - مؤكدة اعتزازها بالدستور المعدل الصادر في 18 يناير 2014 عقب ثورة يونيو 2013 - بقولها إنها تلمح توضيحا وفهما وليس تنظيمًا وسنا، أن المشرع الدستورى في دستور كل المصريين قد تناول بالتنظيم الحقوق والحريات تنظيما أبهاها بثوب تشرئب له هامات كل متطلع لغد أفضل، ويقف صامتا أصمًا من يرد غير ذلك سواء من حيث الأفراد والتنوع أو من ناحية ممارستها ورسم حدودها على نحو لا تفتئت فيه حرية على ما عداها أو على غيرها من حالة النظراء، داعيا ومتباهيا بهذا التنظيم سائر التشريعات الدستورية الحاكمة للدول حكامًا ومحكومين؛ للنهل منه والسير على دربه ولوح الدستور حين أشار إلى كفالة الدولة حماية الحقوق والحريات عدم الإخلال بهذا التنظيم لسموه وعلوه على ما عداه من تنظيمات سواء تشريعية أو لائحية أو حتى فيما خوله للجهات الإدارية من حقها في وضع ما تشاء من القواعد التنظيمية العامة لضمان حسن أداء العمل ورغبة في سير المرافق العامة بانتظام واضطراد على نسق حظر فيه عدم تضمين قواعدها التنظيمية ما يتضمن المساس بتلك الحقوق والحريات ويغدو كل تنظيم إداري مخالف لما تناوله المشرع الدستورى بالتنظيم لا يعول عليه متعينًا طرحه والبعد عنه.

إشادة بالقرار

وأعرب مصطفى القصيف، رئيس مركز وطن لحقوق الإنسان، عن اهتمامه البالغ بهذا الحكم وقررت ترجمته ترجمة دقيقة ومراجعته كى تتمكن من تبادله مع منظمات حقوقية مناظرة في دول الاتحاد الأوربي والأمريكتين والإدارة المختصة بالشئون القانونية بمكتب بانكى مون السكرتير العام للأمم المتحدة كمدخل لعقد جلسات حوارية حول هذه المفاهيم الجديدة التي سطرها حكم القضاء الإداري المصرى والذي كشف عن الوجه المضيء للفكر الإسلامي المستنير.
الجريدة الرسمية