صفقة «المانحين».. القاهرة تبدأ إجراءات مصالحة مستثمرى الخليج مقابل مليارات الملوك والأمراء.. «قطاع الأعمال»: حل مشكلات أصحاب الأموال السعودية «قربان» نجاح المؤتمر..عبده:
رغم عدم تحديد موعد له، إلا أن مؤتمر المانحين الذي دعا له العاهل السعودى الملك عبد الله لمساعدة مصر، اقترب عقده ليكون في شهر نوفمبر المقبل بحسب توقعات مصادر مسئولة - وبالتزامن مع هذا أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي وعودا بحل مشكلات المستثمرين السعوديين ضمن سلسلة من الوعود التي أطلقت عقب ثورة 25 يناير، في ظل وجود ما يقرب من 20% من الاستثمارات العربية المتعثرة، والتي تهدد بالرحيل من مصر حال عدم إيجاد الحلول المناسبة، بالإضافة إلى صدور عدد من الأحكام بعد ثورة 25 يناير بفسخ عقود الخصخصة التي أبرمتها حكومات مبارك، ومن ثم عودة الشركات إلى الدولة، وعلى رأسها عمر أفندي وطنطا للكتان والزيوت.
وفي الوقت الذي تحتل فيه الاستثمارات السعودية المركز الأول من حيث عدد الشركات السعودية العاملة في مصر بعدد 2300 شركة، يليها الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن أن إجمالي الاستثمارات الخليجية في مصر تزيد على 50 مليار جنيه مقابل 45 مليار دولار هي إجمالي الاستثمارات الأجنبية، هناك عدد من الاستثمارات الخليجية المتعثرة بالسوق المصرية، ويقدر إجمالي مستحقات المستثمرين السعوديين منها فقط بما يقرب من 400 مليون دولار، جراء أحكام بعودة أربعة مشروعات للدولة، إذ تصل مستحقات المستثمر جميل القنيبط منها 300 مليون دولار، فيما تصل مستحقات المستثمر عبد الإله كعكي ما يقرب من 72.7 مليون دولار، وتبلغ مستحقات عبد الرحمن الشربتلي نحو 20.3 مليون دولار.
«بيزنس المملكة.. قليل من النجاح.. كثير من الفشل»
وعلى مستوى الاستثمارات السعودية والمتعلقة بفسخ العقود، نجد أزمة شركة أنوال السعودية، الخاصة ببطلان بيع 90% من "محال عمر أفندي" لرجل الأعمال جميل القنبيط، في عام 2011، وأزمة شركة شركة نوباسيد الجاري حلها حاليا، بالإضافة للأزمة الخاصة بإعادة شركة طنطا للكتان بعد بيعها للمستثمر السعودى عبد الإله الكعكي، نتيجة ما اعتبر خطأ في التقييم.
وتعاني شركة جنوب الوادي للأسمنت المملوكة للمستثمر عبد الرحمن الشربتلي، من عدم تجديد السجل الصناعي لها ورخصة التشغيل، كما تطالب باسترداد مبلغ 20 مليون جنيه مصري من هيئة التنمية الصناعية ثمنا لرخصة مصنع الأسمنت، واسترداد مبلغ مليون دولار قدمتها للشركة القومية للتشييد كوديعة لحين تشغيل المشروع.
وفي سياق متصل، يتداول القضاء المصري دعوى أخرى ببطلان قرار تخصيص 100 ألف فدان بمنطقة توشكى لشركة «المملكة» المملوكة للأمير الوليد بن طلال، استنادًا إلى أن القانون المصري يحدد 20 ألف فدان كأقصى مساحة يتم تخصيصها لشركة، فضلا عن هذا تعاني أكثر من 34 شركة سعودية من مشكلات متنوعة.
«استثمارات الإمارات.. الأزمات تتوالى»
ومن أشهر الاستثمارات الإماراتية المتعثرة في مصر، تلك التابعة لمجموعة الفطيم، من خلال مشروع كايرو فيستيفال الذي تم افتتاحه مؤخرا، والذي طالبت هيئة المجتمعات العمرانية بعد ثورة يناير بإعادة تقييم أرضه وهو ما خلق نزاعا قائما حتى الآن، بالإضافة لشركة الظاهرة الإماراتية والتي واجهت أزمة بسبب إعادة تقييم الأراضي في توشكى.
وبالنسبة للاستثمارات الكويتية، تعمل لجنة استرداد أراضى الدولة المنهوبة، على بحث مشكلة "الشركة المصرية الكويتية للتنمية والاستثمار"، والمتعلقة باستغلال أراضي المشروع بالعياط في أغراض غير التي خصصت لها.
مصدر مسئول بقطاع الأعمال العام اعتبر أنه من غير المنطقي الحديث عن جذب استثمارات خليجية جديدة خلال الفترة المقبلة قبيل إيجاد حلول سريعة لأزمات الاستثمارات الراهنة، مؤكدا أن الحديث عن حل مشكلات المستثمرين السعوديين في مصر ليس بالأمر الجديد، فتارة نسمع عن إنشاء مكتب بوزارة الاستثمار لحل مشكلاتهم، وتارة أخرى نسمع عن مجلس أعمال مشترك بين البلدين، وكلها أمور لم تحقق جديدا.
وأشار إلى أن هذه الموجة الثانية من الحديث عن حل مشكلات المستثمرين السعوديين، تأتي بمثابة القربان الذي تحاول الدولة أن تقدمه للسعودية قبل مؤتمر المناحين، لكسب رضا الجانب السعودي، لافتا إلى أن قانون قصر الطعن على العقود الاستثمارية أمام المحاكم على الحكومة والمستثمر فقط، جاء أيضا كخطوة لكسب الود الخليجي، خاصة بعد المساعدات التي قدمتها السعودية والإمارات والكويت لمصر بعد ثورة 30 يونيو، إذ إن أغلب العقود التي صدرت أحكام بفسخها كانت بدعوات من أطراف ثالثة، ولكن ما تجاهلته الدولة هو أن القانون سيطبق على القضايا المنظورة حاليًا أمام المحاكم ولم يصدر فيها أحكام نهائية، ولن يقترب من الأحكام الباتة في المحاكم.
المصدر المسئول توقع فشل مؤتمر المانحين الذي دعا إليه ملك السعودية، ليكرر فشل المنتدى الاستثماري المصري الخليجي، والذي طرحت فيه مصر نحو 60 مشروعا على المستثمرين الخليجيين، لم ينفذ منها شيئا حتى الآن، لافتا إلى أن هناك تراجعا ملحوظا في المساعدات الخليجية خلال الفترة الماضية.
عليها تعويض المستثمرين المتضررين والذين تكبدوا خسائر طائلة في النهوض بشركاتهم التي استعادتها الدولة فيما بعد، قبل أن تتحول إلى عبء كبير بسبب سوء الإدارة المصرية، كذلك فإن التسويات مع رجال الأعمال الخليجيين ستجنبنا قضايا التحكيم الدولي" هذا ما اقترحه المصدر على الدولة إذا كانت جادة في جذب الاستثمارات الخليجية، مطالبا الحكومة بالتدخل السريع للإعلان عن أطر واضحة للتسويات، خاصة وأنه كان من المفترض أن تلتزم بعقودها الموقعة مع رجال الأعمال السعوديين، حسب بنود اتفاقية الرياض.
«القاهرة تبحث عن حلول جادة»
من جانبه قال علاء عمر - نائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة - إن الدولة تعمل على قدم وساق لحل مشكلات المستثمرين لاسيما العرب منهم، في خطوة لجذب الاستثمارات الجديدة، وخاصة الخليجية التي أبدت رغبتها في العمل بالسوق المصري بعد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية واستكمال خارطة الطريق في البلاد.
وأكمل بقوله: الدولة تعمل من خلال ثلاثة مستويات على حل المشكلات المتعلقة بالمستثمرين الأجانب والخليجيين ؛ الأولى لجنة وزارية لتسوية نزاعات المستثمرين وديا، وهي معنية بمناقشة منازعات التحكيم المرفوعة على مصر من بعض المستثمرين أمام هيئات التحكيم الدولية، والتركيز على تسويتها بالطرق الودية بدلًا من التحكيم، والثانية لجنة لتسوية عقود الاستثمار، والتابعة لمجلس الوزراء، وأخيرا لجنة فض المنازعات بالهيئة.
"عمر" استنكر ربط سعى الدولة لحل مشاكل المستثمرين بمؤتمر المانحين المنتظر عقده، لأنها تنتهج توجه إصلاح مناخ الاستثمار منذ فترة، وهو أمر غير مرهون بمؤتمر أو غيره، كما أن الدولة ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة نجحت في حل عدد كبير من المشكلات الخاصة بالمستثمر الخليجي، وهي تستكمل الآن حل المشكلات المتبقية لتمهيد الطريق أمام الاستثمارات العربية والأجنبية الجديدة.
وحول المشكلات المتعلقة بفسخ العقود مع المستثمرين السعوديين جراء أحكام قضائية، أشار نائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، إلى أن جميع هذه القضايا متعلقة بقطاع الأعمال العام، التابع لوزارة الاستثمار، وليس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وبالتالي يسأل عنها الوزارة.
الدكتور فخرى الفقى - المستشار السابق لصندوق النقد الدولى - رأى ضرورة أن تتخذ الدولة تحركات سريعة لحل مشكلات المستثمرين العرب وإيجاد التسويات المناسبة معهم قبل اللجوء للتحكيم الدولي، الذي من شأنه ضرب مناخ الاستثمار المصري في مقتل، وقبل عقد مؤتمر المانحين الذي تسعي مصر من خلاله لجذب الاستثمارات الخارجية، منوها إلى أن هناك قضايا مرفوعة على مصر أمام التحكيم الدولي بقيمة تزيد على 70 مليار جنيه.
تراجع الدولة.. خطأ فادح
"الفقي" وصف تراجع الدولة عن عقودها المبرمة مع المستثمرين بـ "الخطأ الفادح"، خاصة وأن حكومات ما قبل ثورة 25 يناير هي المسئولة عن الفساد، وليس المستثمر الذي تضرر من هذا الفساد ودفع أموالا طائلة غير موثقة للفاسدين بتلك الحكومات من أجل الحصول على الأراضي التي أقام عليها مشروعات ناجحة، ثم استردتها الدولة بعد ذلك.
"الأمر يحتاج لإرادة سياسية حقيقية لتسوية المنازعات وعلى رأسها المرتبطة بالأراضي أو المشكلات الضريبية، وإعطاء المستثمرين الخليجيين حقوقهم، خاصة وأنهم ساندوا الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، مع ضرورة طرح حقائق الأمور للرأي العام، ليدرك أهمية هذه الخطوة في توفير فرص العمل الجديدة وتحسين مناخ الاستثمار ومن ثم جذب الاستثمارات، وتحسين الأوضاع المعيشية في البلاد"، هذا ما أكد عليه الفقي، مشيرا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قادر من خلال سلطاته التشريعية في الوقت الحالي على إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لإجراء تلك التسويات، وذلك ليتحول الأمر من مجرد أحلام إلى واقع ملموس.
وانتقد معاناة المستثمر في مصر إلى الآن من الروتين والبيروقراطية، في الوقت الذي تتنافس الدول على تقديم التسهيلات للمستثمرين لجذب رءوس أموالهم، وهو أمر ليس صعبا أو مستحيلا بالنسبة لمصر خاصة وأن سوقها يتمتع بمميزات عدة، فلابد من أن يشعر المستثمر بأن الدولة تحافظ على استثماراته في ظل أي نظام قائم، أي أنه من غير المنطقي فسخ عقود مع المستثمرين لإرضاء الثوار بعد 25 يناير.
عدم التفرقة بين المستثمرين
من جانبه استنكر الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، اتجاه الدولة لحل المشكلات المتعلقة بالمستثمر السعودي فقط، متسائلا "هل المستثمر السعودي على رأسه ريشة".
ورأى ضرورة أن تعمل على حل مشكلات جميع المستثمرين العرب والأجانب والمحليين، وذلك حال كانت جادة في تحسين مناخ الاستثمار، ومواجهة قضايا التحكيم الدولي، كما ليس مقبولا أن ينتظر حل مشكلات المستثمرين توجيها من الرئيس، الأمر الذي يؤكد غياب إرادة الحكومة الحالية، وتحول وزرائها لمجرد موظفين بدرجة وزراء.
ولفت عبده إلى أن الحكومات المتعاقبة تتحدث منذ ثورة 25 عن جذب الاستثمارات وعلى رأسها الاستثمارات الخليجية، وللأسف فإن نتائج هذا الجدل كانت عكسية ولم تصب في مصلحة الاستثمار، إذ قام بعض المستثمرين بالخروج من السوق المصري، وبعضهم أحجم عن التوسعات، وذلك لأن المسئولين يكتفون بالكلام حول تشكيل لجان وأمور كلها نظرية ولا يملكون الجدية الحقيقية لتسوية المنازعات، كذلك بحث سبل تسديد مستحقات هؤلاء المستثمرين، محذرا من فشل مؤتمر المانحين، الذي لم يتم تحديد موعد له حتى الآن، فالمستثمر لن يقدم على إقامة مشروعات في مصر قبل الاطمئنان على مستقبل أمواله، وسينظر حتما لمستقبل الاستثمارات السابقة.
الخروج من هذا المأزق يتطلب خلال الفترة القادمة - بحسب الدكتور عبده - استكمال خارطة الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية، مع العمل على تنقية القوانين المرتبطة بالاستثمار، والتيسير على المستثمر، خاصة وأن مرتبة مصر في تيسير الأعمال متأخرة للغاية، إذ تحتل المركز الـ 182، فضلا عن ضرورة العمل على تحسين أوضاع العمالة وتوفير الاستقرار الأمني، وتشكيل لجان تمتلك الصلاحيات الكافية، للتفاوض مع الجهات المعنية والوصول لحلول وسط ترضي كافة الأطراف.