أهلًا بكم في قلب المعركة
مللًا، كنت أعبث بريموت التكييف بعد انقطاع التيار الكهربائى.. وكللًا، كنت أندد بهذا الانقطاع المتكرر في أوقات عصيبة يتصبب فيها العرق من كل جنبات جسدي المرهق طوال اليوم في بورصة الأخبار.. فجأة وصل التيار الكهربائى وسرت في بدني نسمة هواء صناعية باردة أسعدتني سعادة صناعية أيضا.. تقلبت في فراشي أستدعى نومة هادئة بعد عمل يوم شاق دون جدوى.
استيقظت.. فتحت نافذتي على العالم.. قلبت الصفحات الإخبارية التي أصبحت قدرا محتوما.. كل الأخبار تؤدي إلى ذات النتيجة، مؤامرة جديدة تحاك ضدنا ونحن كما نحن مفعول به دوما، حرب أمريكية.. حرب عالمية ثالثة تمتد في كل أصقاع الأرض.. أفريقيا غير هانئة بما لديها من كوارث.. آسيا تتمدد وتنكمش وتشتعل.. أوربا تخوض معركة مع الدب الروسي القوى.. قوات هنا وأخري هناك.. لا سيرة إلا سيرة المدافع والطائرات.
ليبيا التي كانت عمقا آمنا لمصر أضحت كابوسا مزعجا، السودان الذي كان جزءا من وطن أكبر أصبح مصدر خطر.. غزة لا تزال ترزح تحت نير احتلالين.. الإرهابيون في كل مكان يتسلّون بصنع القنابل.. يزرعونها بديلا عن القمح.. يحصدون أرواح الأبرياء في كل مكان.. درجة حرارة التكييف تنخفض أكثر في عكس اتجاه درجة حرارة جسدي المشتعل بفعل الأحداث.. !!
في ذات الوقت، وفى "هويد" الليل المظلم.. كانوا هناك بلا تكييف وبلا نافذة على العالم.. جنود مرابطون في قلب النار.. أرواحهم أسلحة مصر في مواجهة إخطبوط العصر.. شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. ينتظرون الموت فداءً لحياة الوطن.. في صحارى شاسعة شاءت الأقدار والمؤامرت أن تظل هكذا سكني للفراغ وكل فراغ يبحث عن من يملؤه وكانت دوما شياطين الإنس هي الأسبق.
هنا في سيناء تستطيع أن تسمع جيدا نداء "انتباااااه" بصوت جهورى يزلزل المكان ويعيد للوطن هيبته.. هنا في الأرض المباركة - بنص القرآن- يبارك أبناؤنا عزة هذا الوطن.. يخوضون معركة مقدسة هي امتداد لمعارك كانت دوما سيناء ساحتها..
من هنا دخل كل غاصب.. ومن هنا دخل كل محتل.. ومن هنا دخل كل طامع.. فوق هذه الأرض كتبنا تاريخا من البطولات.. قاتلنا فقتلنا وقٌتلنا، ولكننا أبدا لم نهن ولم تهن علينا بلادنا.. صنعنا فخرا للأجيال وتاريخا للإنسانية وقصصا للحضارة ونسجنا بدماء شهدائنا حكايات للهوى وشغلنا العالم بما قدمنا وسطرنا بحروف من نور بطولاتٍ علمت الدنيا.
ويدهشنى أن يغيب صوت واحدة من أقدس معارك الجيش المصري، تجري فصولها في كل مكان الآن وتغيب عن المشهد الإعلامي.. أخبار قصيرة ومبعثرة تلقى في زوايا الصحف ومن خلفها قصص لبطولات عظيمة تصلح أن تكون أجندة لشباب مصر التائه..
ويزعجني أن هؤلاء الشباب الذين يجدِلون بأرواحهم ثوبا حاميا للوطن تصبح قصص استشهادهم مجرد أخبار عابرة..
ويؤسفنى أن من يخوضون معركة لا تقل ضراوة عن معارك التحرير لا تلقى نفس الاهتمام الذي يلقاه مسلسل رمضانى أو فيلم سينمائي ألقى بنسخته في العيد ليحقق أكبر المكاسب.
قد يكون لقادة الجيش قناعات في عدم الحديث عن بطولات من نور، وقد يكون لديهم ما يمنعهم الحديث عما يقومون به في حرب ضروس تستهدف الوطن العربي بأكمله، ولكن ليس من المنطقي أن نخوض معركة بحجم كل معارك سيناء وتظل هكذا دفينة الأدراج.. من حق الناس في مصر أن تفخر بما يقدمه جيشنا وشبابنا وقادتنا هناك على أرض المعركة، ومن حق هؤلاء علينا أن نعيش اللحظات التاريخية التي يصنعونها.
من حقنا أن نعرف لماذا وقف جندى تنتهي خدمته في أكتوبر القادم، ليطالب قادته بالبقاء فداءً للوطن.. أليست هذه صورة إيجابية وسط عتمة المشهد الذي تحاول قوي الشر أن تفرضه علينا؟.. أليست هذه الانتصارات نقطة ضوء تبدد ظلمات تبثها الجماعات الإرهابية ؟.. أليست هذه المعركة معركة وطن ضد أقسي محتل وأسوأ غاصب؟
إن الكيان المحتل والمسمى مجازا إسرائيل- لم يستطع طوال تاريخه الأسود أن يحتل عقولنا أو أن يثبط هممنا أو أن يشوه ديننا، وظللنا في مواجهته نكشف للعالم سوءاته ولم نُهزم ولم نُقهر، أما الكيان الظلامي الجديد فإنه جاء بأجندة أسوأ.. جاء ليحارب دين الله باسم الله.. جاء ليبدل قولا غير الذي قيل.. جاء ليزحف على أقدس ما لدينا.. لم يأت ليحتل وطنا أو أرضا فقط، وإنما جاء ليستولي على هوية ويسطو على حضارة وعلي تاريخ.. جاء ليشوه كل جميل صنعته مصر للحضارة والبشرية كلها.
من أجل ذلك، لابد وأن يعود المحرر العسكري إلى دوره عندما كان جنديا من جنود المعركة.. يرتدي الزي العسكري.. يعتلي قمم الجبال مع رفاقه المقاتلين.. ينقل للناس أعظم لحظات الانتصار على قوى الشر.. يصور بعدسته وقائع أشرف المعارك حتى تتحمل الجماهير مسئوليتها، وحتى يعرف الجميع أننا لا نخوض معركة مع لص أو ساطٍ، وإنما نخوض معركة مع قوات تم تجييشها وإعدادها وتسليحها لإنهاء مصر وتحويلها إلى ساحات للعصابات.. إلى وطن مبعثر كما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن.