رئيس التحرير
عصام كامل

"أهل الاختصاص"..الفزاعة المزمنة ضد الاجتهاد!!


(لما تتعب..بتكشف عند أي حد ولا بتروح لدكتور متخصص في الطب؟.. ولو عايز تبني عمارة..بتروح تجيب أي حد يخطط الأرض ويرسم البناء ولا بتروح لمهندس متخصص.. ؟ اشمعني " بجاااا " كل من هب ودب عايز يفتي في الديييين؟).

بالعبارات السابقة يستقبلك بعض رجال الدين عند مشاهدتهم أو عند سماعهم أو عند إبلاغهم أن أحدا غيرهم يتحدث في الدين..هي أمثلتهم المحفوظة عن ظهر قلب وإلي حد الملل..ينقلها عنهم العامة من بعض كسالي العقل..لا تسمع الأمثلة السابقة لا من أطباء ولا من مهندسين..لا تسمعها إلا ممن نقصدهم..!

هم ابتداء لا يعرفون الفرق بين الاجتهاد والفتوي..الأولى يثاب صاحبها وإن أخطأ والثانية يتحمل وزرها ووزر من يعمل بها من يتجرأ عليها..الأولى فرض بنصوص القرآن الكريم.. تاج الإسلام ودستوره.. المحصن بعهد الله..المنزه عن العبث..اليقيني السماوي..وفيه أوامر وتوجيهات رب العالمين بالنظر والتأمل والتفكر والتدبر..وهي كلها دعوات للاجتهاد ولا تفهم إلا كذلك..وهي لعموم الناس وخاصتهم.. لا يستثني إلا غير المكلفين من الأطفال والمجانين..ولا نظن أن عموم أمتنا أطفال ومجانين!
أما الفتوي ففيها من التحذير الكثير..وعليها من المحاذير ما هو أكثر..ولأن الخلط دائم..ولأن هناك إصرارا على احتكار الدين..فعلينا أن نقول لهؤلاء:

- أمرنا الله بفهم آياته وتدبرها وامتدح أولى الألباب..ونحن في غنٍ عن ذكر آيات الرحمن وهي كثيرة.." أفلا يتدبرون القرآن"..وفي السنة "تفكر ساعة خير من عبادة عام" وفيها وصيته على الصلاة والسلام لابن عباس..ترجمان القرآن كما هو لقبه حين قال له "اقرأ القرآن كأنه يتنزل عليك" ! أي افهمه كأنه انزل عليك..!..وفي السنة.." من اجتهد وأصاب فله أجران..ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد " ولا نظنه عليه الصلاة والسلام إلا أنه يكلم عموم الناس!

- لا نجد في آيات كتاب الله العزيز الحكيم آية واحدة تدعو عموم الناس لدراسة الطب أو التأمل في الهندسة..أو تدبر الكيمياء.. وإن كان القرآن دستور المسلمين الحافظ لمنهجهم المحدد لخطواتهم الجامع لشريعتهم..فتدبره وفهمه فرض عين على كل مسلم ومسلمة..والفهم والاجتهاد - نكرر - غير الفتوي تماما !

- كثيرون يتجاهلون المضمون الذي أمامهم..وينتقلون على الفور إلى صاحبه..يهتمون بالشكل ويغلبونه على الجوهر..وهو منهج يخالف منهج الإسلام "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم إنما ينظر لقلوبكم وأعمالكم" ويخالف منهج الإسلام وفيه "رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره"!.

- خطأ جسيم يقع فيه بعض المتخصصين..أو مدعي التخصص..فما أن تسألهم عن مسألة أو تطلب الرأي في واقعة أو تستعين برأيهم في فتوي..إلا وتنطلق ألسنتهم جميعا بمقولة واحدة..فبعد الصلاة على النبي والاستهلال المعروف..يقولون على الفور "عن فلان عن فلان...أو روي عن...أو جاء في كتاب كذا لابن فلان.." وهكذا..لكن..أن يدركوا أن مهمة العالم الأساسية هي مطابقة الشرع على الواقع..وأن عليهم أن يفعلوا كما فعل من سبقهم.. أن يقلدوهم في فعلهم وليس أن يحفظوا عنهم..حيث اجتهدوا ولم يقلدوا من قبلهم..ولو اكتفوا بفهم واحد ما رأينا المذاهب الأربعة..ولا رأينا علماء كبار غيرهم كالشاطبي وابن حزم الأندلسي والحسن البصري والليث ابن سعد وسفيان الثوري وغيرهم....ولو توقف التفسير عند واحد..ما رأينا القرطبي وابن كثير..ولو توقف عندهم ما رأينا تفاسير الجواهر ولا المنار ولا الوسيط ولو توقفنا عندهم ما رأينا خواطر الشعراوي...وهكذا !

- الخلاصة: فهم الإسلام والاجتهاد فيه فرض عين على كل مكلف..وليس مكلفا إلا كل مسلم بالغ عاقل..وبخلاف وصية الرسول الكريم لابن عباس..أن يقرأ القرآن كأنما يتنزل عليه..نلتزم بوصيته عليه الصلاة والسلام لعموم المسلمين وهي "استفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك" والقلب هو العقل..وهو الضمير..ولا يرتاح العقل ولا الضمير إلا بالتفكير..إلا بالاجتهاد..وللحديث بقية!
الجريدة الرسمية