حسد أو ضيقة عين
بعد سنتين على انطلاق الانتفاضة السورية على النظام، وهى انتفاضة تحوّلت إلى ثورة، ثمة شىء أكيد وحيد حققته الثورة هو أنها وحّدت محطتى «الجزيرة» و«العربية» ضد النظام السورى.
وبعد سنوات من خلاف معلن أحياناً، ومكتوم أحياناً أخرى بين البحرين وقطر ربما يعود إلى أوائل سبعينيات القرن الماضى «ارتكب» البلدان ما يوحّد إعلام الدولة المستعمرة السابقة ضدهما، ويزيد عليهما الإمارات العربية المتحدة فهى جارتهما.
جريدة «الميل أون صنداى»، اللندنية نشرت الأحد الماضى خبراً عنوانه: ساندهيرست «تخون» أبطال مونز مقابل ثلاثة ملايين جنيه هدية من ملك البحرين. وكانت هناك عناوين فرعية قال واحدٌ منها: قاعة الرياضة التى تكرّم موتى الحرب العالمية الأولى تعاد تسميتها باسم الدولة المنتجة للنفط. وقال آخر: جدل على حقوق الإنسان سببه منحة من الإمارات لبناء سكن للضباط.
«الديلى ميل»، شقيقة جريدة الأحد تابعت الموضوع فى اليوم التالى خوفاً من أن يكون فات قراءها، وكان عنوانه: غضب (أو غليان) بسبب إهانة ساندهيرست أبطال مونز. وتحته: أعيدت تسمية القاعة باسم ملك البحرين بعد هدية بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه.
ماذا «ارتكبت» البحرين والإمارات؟ فى الخبر أن قاعة مونز التى يحيى اسمها ذكرى معركة قُتل فيها ألوف خلال الحرب العالمية الأولى ستعاد تسميتها باسم ملك البحرين الذى تبرّع لإصلاحها وترميمها. أما الإمارات فقد قدّمت 15 مليون جنيه لبناء سكن للضباط يحمل اسم الشيخ حمدان بن محمد بن راشد المكتوم، وليّ عهد دبى. والجريدة تقول إن منظمة العفو الدولية سجلت أن فى الإمارات 90 سجيناً سياسياً.
لا أعرف من أين أبدأ. الملك حمد والشيخ حمدان من خريجى الأكاديمية العسكرية البريطانية، وقد درجت العادة فى العالم كله أن الخريج القادر يتبرع لجامعته. والجامعة الأميركية فى بيروت حيث درست تضم مبان وصالات تحمل أسماء خريجين تبرّعوا لبنائها. وجامعة جورجتاون حيث عدتُ إلى الدراسة فى واشنطن تضم مبان تحمل أسماء المتبرعين، ومن بينها مبنى كبير بنت ثلثيه مجموعة عربية رأسها الأخ نمير قيردار، رئيس بنك انفستكورب، وبنى الثلث الآخر رجل الأعمال حسيب الصباغ، رحمه الله، وضم الجزء الأول مركز الدراسات العربية المعاصرة، وأنا عضو فى مجلس مستشاريه، وضم الثانى حوار المسيحية والإسلام، وهو الآن يحمل اسم الأمير الوليد بن طلال بعد أن تبرع له.
هذا أسلوب متّبع فى العالم كله، ولكن عندما يمارسه عربى يصبح سبباً لاحتجاج جريدة فى بلد سجله الاستعمارى مشين معيب. ويبدو أن الجريدة تفضّل أن تنشر أخبار عرب يلعبون فى نوادى القمار فى لندن، بدل عرب يتبرعون لجامعة أو أكاديمية.
قطر ارتكبت «جريمة»، أفدح كثيراً فقد كانت وراء تعاقد اللاعب الإنكليزى ديفيد بيكهام (وهو عجوز بمقاييس الرياضة، فعمره 37 سنة) مع نادى باري سان جرمان الذى تملكه دولة قطر.
كان عنوان تحقيق طويل فى مجلة الأحد لجريدة «الإندبندنت»: بيكهام العرب، على طريقة «لورانس العرب»، وفوقه: «ديفيد بيكهام يخطو على مسرح باريس كبطل، إلا أنه فى الواقع ليس أكثر من رمز عربى فى لعبة خطرة يلعبها حكام قطر لوضع بلادهم فى قلب الشئون العالمية».
أترجم من المقال: بعد 2011 أصبح نادى بارى سان جرمان أداة لدولة ثرية جداً وصغيرة جداً بطموحات أخطبوطية، والولد من فريق الناشئين فى مانشستر يونايتد جزء من مشروع فرعونى لتحويل دولة صغيرة جداً إلى مركز عالمى لا يمكن تحديه للرياضة والترفيه والثقافة والدبلوماسية، ولكن خصوصاً الرياضة، وخصوصاً كرة القدم.
التحقيق يكمل زاعماً أن مشجعى الكرة فى المستقبل سيهتفون أو يشتمون لاعبين اكتشفتهم قطر فى أزقة مدن العالم الثالث، وهؤلاء سيلعبون لناد تملكه قطر وسيرتدون ثياباً رياضية لشركة ملابس رياضية قطرية، وتبث المباريات قناة تليفزيونية تملكها قطر.
والكاتب يشكو بعد ذلك من لعب الكرة فى الصيف خلافاً لتقليد بريطانى عمره مئة سنة، ويتحدث عن عملية مشبوهة فى منح الاتحاد الدولى لكرة القدم قطر حق تنظيم بطولة كأس العالم سنة 2022.
وهكذا فميديا دولة مستعمرة آخر أفضالها علينا المشاركة مع إدارة جورج بوش الابن فى حرب على العراق زورت أسبابها عمداً قتلت مليون عربى ومسلم، تشكو من كرم خريجى ساندهيرست مع الأكاديمية المشهورة التى درسوا فيها، ومن طموحات حكام قطر بعد أن أصبح طموح بريطانيا العظمى (سابقاً) ألاّ تُفلس.
لا أجد فيما فَعَلَت الدول العربية الثلاث خطأ أو غضاضة وإنما حسداً، وأنا معها.
نقلاً عن الحياة اللندنية