رئيس التحرير
عصام كامل

مَن الذى أصاب الشعب بالجنون؟


هناك العديد من الإحصائيات التى هى فى واقع الأمر أكثر من مرعبة حول الصحة النفسية للشعب المصرى، والتى تكاد تصل إلى قرابة النصف، مع العلم بأن النصف الآخر يشاور عقله، على حد المثل الشعبى السائد.


هناك أمراض نفسية كثيرة قد ضُرب بها الشعب المصرى فى عمومه، وعلى نحو بارز وواضح، منها الاكتئاب النفسى الذى ترتب عليه العديد من الحوادث التى نقرأ عنها فى الصفحات المتخصصة فى الجرائد والمجلات.

أب يقتل بناته ويجلس فى صمت، وذلك خشية عليهم من الفقر أو من عدم الأمان.. زوج يقتل زوجته بسبب الحاجة إلى ملابس العيد أو المصيف أو أى أمر من هذه الأمور.. شاب يقتل نفسه شنقًا متدليًا من فوق أحد الكبارى، وذلك لعدم قدرته على إتمام مراسم الزواج أو لعدم الحصول على وظيفة يعيش منها.

هناك العديد من النماذج الغريبة التى تقابلها وأنت تمر بشوارع القاهرة، ليس فقط المتسولين، ولكن أناس نراهم قد يرتدون ثيابًا معقولة ومتأنقين ولا يبدو عليهم مظهر التسوّل، ولكن نراهم يصيحون ويكلّمون أنفسهم، حتى إنه أصبح من المعتاد أن ترى الناس تكلّم أنفسها فى الشوارع، وهى فى وسط الزحام، وكأنها فى عزلة ودون أن تكترث لرد فعل الآخرين.

لقد أصبح الشعب المصرى يعانى نفسيًّا، وأخشى أن يأتى اليوم الذى تصبح فيه مصر بمثابة "مورستان" كبير يضم جميع المصريين، ولعل تعليق الإعلامى عمرو أديب، فى إحدى حلقاته، على أن الوضع الآن فى مصر لا يحتاج إلى محلل سياسى، ولكن محلل اجتماعى ينطوى على قدر كبير من الصحة.

لقد استطاع النظام السابق أن يخلق أرضية وتربة خصبة داخل قلب الشعب المصرى، قد أدخلته إلى تلك الحالة من الانفلات النفسى، إذا جاز لنا التعبير، وأن ذلك الكبت الذى تراكم لديه عبر سنوات القهر، هو الذى يفسِّر لنا رد الفعل العنيف الآن فى تلك التظاهرات، وكيف أصبح يتسم بالعداء لكل ما هو سلفى أو سياسى أو تجاه السلطة السياسية أيًّا كانت وأيًّا كان موقفها وما تقوم به.

أصبح يعانى من تلك الحالة التى تعرف فى علم النفس بالصراع الداخلى النفسى inter psycho conflict، حيث يجد نفسه فى صراع مع الواقع وعدم اتساقه معه، وأيضًا عدم قدرته على مواجهته نتيجة الخوف من بطشه به، ولكنه عندما وجد فرصة للتنفيس، كما حدث فى ثورة يناير، خرج وحاول أن يتعافى نفسيًّا ويعود إلى حالة السواء، ولكنه مع ذلك ظل متخوفًا من أن تعود السلطة مرة أخرى إلى سابق عهدها، ولعل ذلك هو سبب تلك الحالة من العداء للشرطة على اعتبارها الرمز الرئيسى للنظام، واليد التى ينفِّذ من خلالها النظام سياساته.

كل فرد قد أصبحت لديه حالة من الصراع النفسى الداخلى بينه وبين نفسه، ولديه هواجس كثيرة، وهو ما جعله فى حالة من التشكيك والتخوين وعدم الثقة فى أى قرار أو خطوة من قبل الحكومة، وقد أصبحت لديه حساسية عالية، ذلك بالإضافة إلى تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة وسوء عدالة التوزيع التى أدَّت إلى زيادة التوتر النفسى لدى الشعب المصرى، وخوفه على غده من أن يأتى عليه صباح لا يجد فيه رغيف الخبز.

الجريدة الرسمية