التوقعات المرئية للحوارات الوطنية
جاءت ولادة جبهة الإنقاذ الوطنى، وبزغ فجرها على يد الإعلان غير الدســـتورى الذى أصدره الرئيس مرسى والذى أعاد به قراراته إلى طبيعة قرارات ملوك القرون الوســـــطى باعتبار أن كلام الملوك لا يرد، وانتزع صفة الألوهية وتوشح بها باعتباره لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
لقد كان الإعلان غير الدستورى بمثابة الزلزال الذى أفصح عن الاتجاه الخطر الذى تزحف نحوه البلاد، ثم جاء مشروع الدستور وما صاحبه وتبعه من أحـــــداث ليضفى مزيداً من العبثية على المشهد السياسى المصرى.
وتجمد المشهد عن عمد عند الدعوة إلى الحوار الوطنى، وهى لم تكن دعوة جادة تستهدف الخروج بالبلاد من المأزق بقدر ما كانت مراهنة على عنصر الوقت، مع استخدام مكثف للدعاية فى مواجهة غليان الشارع بشيطنته وشيطنة جبهة الإنقاذ، حتى يتخلى المجتمع عن أى بادرة تعاطف معهما وفــــى ذات الوقت تندفع البلاد نحو انتخابات برلمانية ـ وفقاً لقانون جرى تفصيله فى مجلس شورى مطعون فى دستوريته ـ انكشف المستور مع تجاهل نتائــج حوار الأشقاء ـ فى مجلس الشورى عند مناقشة قانون الانتخـــابـــات.
وقد تنصل الكل من تعهداته ولحس كلامه وتم تمرير مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية لمراجعته، وهنا شذ فجأة حزب النور السلفى عن المسار ومد يده لجبهـــــة الإنقاذ الوطــنــــى ــ جبهة الخراب سابقاً ــ مبدياً استعداده لاستبدال فتاوى القتل الصادرة فى حــق أعضائهـــــا بحوار جاد حول مصالحة وطنية فاعلة بعيداً عن سياسة المزايدات على المواقف والأشخاص.
وهنا سقطت ورقة التوت التى تسربل بها الإتجاه الإسلامى وعلى رأسه جماعة الإخوان فــى مواجهة التيارات المدنية وهى أنهم يمثلون الاتجاه الدينى فى مواجهة الاتجاه اللادينى، سقطت ورقة احتكار الدين فى معترك الجدل السياسى بفعل الاتجاه ـ السلفى ــ الذى كان يروج لتشدده فى مواجهة سماحة الإخوان باعتبارهم البديل الأفضل للمجتمع. وإذا بهذا الاتجاه يفرض نفسه باعتباره الأكثر سماحة والبديل الأكثر توافقاً مع كل التيارات المطروحة إيماناً منه ــ صدقاً أو ادعاءً ــ بأن الوطن يسع الجميع . هوجم هذا التيار ونعت بالخروج عن الخط الإسلامى، وبأنه يفتقر إلى النضج السياسى، وإذا بجبهة الإنقاذ تمد يدها وتقبل الحوار وبزغت فى الأفق بوادر توافقية على مطالب مشتركة، فأسقط فى يد الإخوان فسارع رئيس حــــــزب الحـــــرية والعدالة د. سعد الكتاتنى بالاتصال بجبهة الإنقاذ للحوار الوطنى بعيداً عن مبادرة حزب النور وفق تأكيده، وبذلك ــ وفقاً لتصوره ــ يضرب عدة عصافير بحجر واحد . العصفور الأول: ضرب مبادرة حزب النور وإخراجه من المعادلة بإجراءات عقابية تعيده إلى موقعـــه باعتباره تابعاً، وإجهاض ما تم التوافق عليه بين الإنقاذ والنور. العصفور الثانى: وضــع جبهة الإنقاذ فى خيار صعب بين استمرار الحوار ــ الذى لم يبدأ بعد ـ وبين التـفـتت الحتمى إذ الشرط المبدئى هو استبعاد الصباحى والتيار الشعبى باعتبارهما أصحاب خيار اســقاط الرئيس.
العصفور الثالث: عزل جبهة الإنقاذ عن الشارع وعن شباب الثورة، إذ أن سـقـف مطالب الثوار قد غادر مطالب الجبهة.
العصفور الرابع: كســب الوقـــت اللازم لتمرير قانون الانتخابات البرلمانية من ناحية، وإلهاء الجبهة بأحزابها عن الاستعداد لهذه الانتخابات من ناحية أخرى. وتوقعاتى المرئية لهذه الحوارات الوطنية أنها نوع من المراوغة السياسية والمراوحة فى المكان لأن ما تطالب به الجبهة لا يحتاج إلى أى حوارات، وإنما يحتاج إلى إرادة وقرارات طالما أن المطالب تحقق مصالح مصر الوطنية بلا مزايدات ولا مناورات سياسية، فالوطن لا يحتمل كل هذا العبث.