حكومة تكذب ولا تتقشف.. الموازنة العامة خالية من «سياسة التقشف».. ومطالب بإعادة هيكلتها وإنشاء هيئة قومية لحماية المستهلك.. زيادة بنود الأجور والدعم والاستثمارات وارتفاع النفقات إلى 789 مليار
الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، مقولة تنطبق على ادعاءات الحكومة الحالية برئاسة المهندس إبراهيم محلب بشأن الموازنة العامة للدولة للعام المالى الحالى 2014/2015، والتي تصفها بـ «التقشفية»، فعلى الرغم من إقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي لمشروع قانون الموازنة في التاسع والعشرين من يونيو الماضى، إلا أن الجدل الذي أثارته تلك الموازنة لم ينقطع إلى الآن، خاصة في ظل ما اتخذته الحكومة مؤخرًا من قرارات استهدفت بالدرجة الأولى تخفيض العجز في الموازنة.
إعادة النظر في الموازنة
البداية كانت برفض الرئيس «السيسي» إقرار مشروع الموازنة، ومطالبته الحكومة بإعادة النظر فيها وتخفيض عجز الموازنة، بسبب ارتفاع العجز إلى 14 %، وهو ما تم تقليصه إلى 239.2 مليار جنيه تمثل نحو 10 % من إجمالى الموازنة، وخرجت علينا الحكومة بعدها بوصف الموازنة بالتقشفية.
حالة الجدل ذاتها استمرت حول الموازنة عقب القرارات التي استهدفت تخفيض عجز الموازنة، والتي جاء في مقدمتها تحريك أسعار الطاقة، وكذلك قرار الرئيس السيسي تحصيل 10 % من أموال الصناديق الخاصة للموازنة، ولم تتوقف الحكومة في الادعاء بأن الموازنة تقشفية.
وبالرغم من أن الموازنة الجديدة تضمنت قدرا من الإجراءات التي تصب في خانة الإصلاح المالي، إلا أن تلك الخطوات تباينت إلى حد كبير بتلك الإجراءات التي اتخذتها كل من اليونان وإسبانيا وفرنسا وأيرلندا وأخيرًا أوكرانيا، والتي اعتمدت خططها التقشفية على تخفيض النفقات الحكومية بالموازنة.
أكذوبة التقشف
وبعكس أكذوبة الموازنة التقشفية في مصر، بلغ إجمالى النفقات الحكومية بالموازنة الحالية نحو 789 مليار جنيه، بزيادة قدرها 52 مليار جنيه، مقارنة بموازنة العام المالى 2013/2014، والبالغ 737 مليار جنيه، نتيجة ارتفاع الأجور إلى 207 مليارات جنيه مقابل 183 مليارا في موازنة العام المالى الماضى، بزيادة قدرها 24 مليار جنيه.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات فارتفعت هي الأخرى بالموازنة الجديدة إلى 147 مليار جنيه مقابل 134 مليارا في موازنة العام المالى الماضى، فيما بلغت الاستثمارات الحكومية التي تستهدفها الحكومة نحو 67 مليار جنيه، فيما تجاهلت الموازنة تحديد أوجه إنفاق تلك الاستثمارات، وما إذا كان سيتم تمويل الفارق من موارد تخرج عن نطاق الميزانية العامة أم لا.
المفاجأة الأكبر كانت بزيادة مخصصات الدعم بالموازنة الحالية، بالرغم من تحريك أسعار الطاقة والتي أسفرت عن توفير 41 مليار جنيه، إلا أن بند الدعم ارتفع بالموازنة الحالية بنحو 22 مليار جنيه، مسجلًا 234 مليار جنيه، مقابل 212 مليار جنيه بموازنة العام المالى 2013/2014.
خطة الإصلاح
فمن جانبه طالب محمد رضا، الفائز بجائزة صندوق النقد الدولى للإصلاح الاقتصادى، بصياغة خطة إصلاح اقتصادى طويلة الأجل وإعادة هيكلة الموازنة الحالية من خلال إعادة هيكلة باب الأجور، وكذلك إعادة هيكلة الإنفاق الحكومى وتحديد حدود قصوى للإنفاق وتخفيض مخصصات بعض الوزارات والتمثيل التجارى والدبلوماسى.
وحول الحلول المقترحة لتقليص عجز الموازنة طالب «رضا» بضرورة العمل على زيادة الإيرادات الحكومية في المقام الأول، عبر إعادة هيكلة المنظومة الضريبية من خلال تطوير إجراءات تحصيل الضرائب وتقليل المتأخرات والتي بلغت قيمتها 70 مليار جنيه، وفصل عملية تحديد الالتزام الضريبى وتقديره عن عملية التحصيل بإنشاء هيئة مختصة بالتحصيل الضريبى وملاحقة المتهربين، وإصدار قانون بعقوبات مغلظة تصل للحجز والسجن ضد المتهربين من سداد الضريبة، والعمل على جمع كافة الرسوم والمبالغ التي يتم سدادها تحت مسميات مختلفة كرسوم طرق أو تنمية خزانة الدولة أو دمغات وغيرها في مسمى واحد هو «الضريبة».
وحول إعادة هيكلة الإنفاق العام بالموازنة الحالية، اقترح الفائز بجائزة صندوق النقد الدولى للإصلاح الاقتصادى إعادة هيكلة دعم الطاقة بما يحقق العدالة الاجتماعية، وإصدار قانون لتحديد هوامش الربح وإنشاء هيئة قومية لحماية المستهلك، وإنشاء صندوق للتحكم في الأسعار يتبع هذه الهيئة يتم تمويله بجزء من المبلغ المخصص للدعم للقيام بالتأثير المباشر على قوى العرض والطلب في السوق للسلع الإستراتيجية.
من ناحية أخرى انتقدت رانيا يعقوب -خبيرة أسواق المال، ورئيس مجلس إدارة إحدى شركات الأوراق المالية- العشوائية في إعداد الموازنة، وعدم التنسيق بين السياسة النقدية والمالية، مشيرةً إلى أنه في الوقت الذي تستهدف فيه الحكومة زيادة الاستثمارات يتم رفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس مرة واحدة، الأمر الذي من شأنه التأثير سلبيًا على زيادة الاستثمارات.
وعلى صعيد ذى صلة انتقد هشام توفيق الخبير الاقتصادى ورئيس إحدى شركات تداول الأوراق المالية إعلان الحكومة اتباع سياسة تقشفية، في الوقت الذي ارتفع فيه الإنفاق الحكومى بالموازنة الجديدة بنحو 52 مليار جنيه، مطالبًا بضرورة استحداث آليات جديدة لجذب وزيادة الاستثمارات العربية والأجنبية.
توفيق أشار إلى أن الجهاز الإدارى يعد التحدى الأكبر أمام الحكومة، خاصة وأنه يلتهم الجزء الأكبر من الأجور، والتي تعد الجزء الأكبر من الموازنة، وإتاحة الفرصة كاملة للقطاع الخاص لإدارة المشروعات الحكومية الكبرى التي تعتزم الحكومة طرحها خلال الفترة المقبلة.