رئيس التحرير
عصام كامل

قناة السويس الجديدة.. وعواجيز الفرح!


لم يكن أحد يتوقع أن المفاجأة السارة التي ادخرها الرئيس عبدالفتاح السيسي لجموع المصريين هي مشروع قناة السويس الجديدة، والذي يتمثل في حفر قناة موازية تكون بمثابة تفريعة للقناة الأساسية بطول 35 كيلو مترا مع تعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول ٣٧ كيلو مترا، وذلك لزيادة عدد السفن العابرة للقناة يوميا من ٤٩ إلى ٩٧ سفينة، ليرتفع عائد القناة إلى ١٣٫٠ مليار دولا مقابل ٥٫٣ مليارات دولار سنويا الآن.


فكل ما ذهبت إليه توقعات الإعلاميين وعموم الناس هو أن مفاجأة السيسي السارة التي وعد بها جموع المصريين هي الإعلان عن التحالف الفائز بتنفيذ المخطط العام لمشروع تنمية محور قناة السويس والذي يشمل مع قناة السويس الجديدة إقامة محطة خدمات للسفن في العين السخنة ومصنع للحاويات وتجميع السيارات، وصناعة بتروكيماويات وزجاج مع استزراع سمكي، بالإضافة إلى تطوير عدد من الموانئ الموجودة وإنشاء ستة أنفاق تحت القناة.

ولذلك بعد إعلان مفاجأة السيسي فرضت المقارنة نفسها بين ما قام به عندما أعلن إشارة البدء في حفر قناة السويس الجديدة التي ستتكلف ٦٠ مليار جنيه لزيادة دخل القناة مرتين ونصف وجذب استثمارات تبلغ مائة مليار دولار وبين ما قام به جمال عبدالناصر قبلها بنحو ٥٨ عاما مضت حينما أعلن تأميم شركة قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية خالصة، ولكي يصبح كل عائدها من حق مصر، حتى تقدر على بناء السد العالي، بعد أن تراجع البنك الدولي عن تمويل هذا المشروع الكبير.. وخلص البعض من هذه المقارنة إلى وجود تشابه بين العملين.. تأميم جمال عبدالناصر شركة قناة السويس وتدشين السيسي مشروع قناة السويس الجديدة، أو التفريعة الجديدة لها.

وساهم في استنتاج هذا التشابه عدد من الأمور كان على رأسها الكتمان الذي لاذ به كلا الرجلين قبل الإعلان عن القرار الذي اتخذه الواحد منهما.. عبد الناصر خطط وأعد لتأميم قناة السويس سرا حتى فاجأ العالم كله بقراره وحينما نطق به كانت مجموعات من المصريين تفرض سيطرتها على مقرات الشركة وأموالها.. وهذا ما فعله السيسي حينما أعد لإعلان البدء لمشروعه في قناة السويس.. فهو خطط أيضا لذلك سرا حتى فاجأ الجميع به ليبدأ التنفيذ أيضا فور الإعلان حتى اختصار مدة تنفيذ المشروع من ثلاث سنوات إلى عام واحد كان مخططا أيضا.. ولذلك لم يكن غريبا أن تستعيد الفضائيات التي تابعت هذا الحدث المهم في عام ٢٠١٤ أغاني الخمسينيات من القرن الماضي التي اقترنت بتأميم قناة السويس، مثلما لم يكن غريبا أيضا أن يكون من بين ضيوف الاحتفال بالمشروع الجديد ابن جمال عبدالناصر الذي أمم القناة.

وبالإضافة إلى ذلك فقد ساهم في التشابه الذي استنتجه البعض بين قرار عبد الناصر تأميم القناة وقرار السيسي بحفر تفريعة جديدة بطول ٣٥ كيلو مترا، قيام القوات المسلحة بالإشراف على تنفيذ القرارين.. فإن عملية السيطرة على مقرات وأموال شركة القناة التي تم تأميمها تمت بواسطة القوات المسلحة.. أما عملية حفر التعريفة الجديدة للقناة فإنه يتم تحت إشراف القوات المسلحة مع اشتراك نحو ٣٠ شركة وطنية وذلك لضمان تحقيق اعتبارات الأمن القومي، خاصة وأن القناة كانت وظلت هدفا لكل من تآمر على مصر في أوقات السلم والحرب.. ولعل ذلك كان أحد الأسباب الأساسية لاعتراض القوات المسلحة على المشروع الإخواني لإقليم قناة السويس الذي كان ينتزع هذا الإقليم من سيطرة الدولة بما يخدم مصالح أجنبية سعى أصحابها للسيطرة على القناة وإقليمها تارة بطلب نشر قوات الناتو على ضفافها وتارة أخرى باستهداف السفن العابرة فيها من قبل الإرهابيين.

غير أن هذا التشابه بين قراري عبدالناصر والسيسي الذي استنتجه البعض لم يلق رواجا لدى قطاعات واسعة من الرأي العام إلا من خلال سلوك السيسي أثناء تدشين هذا المشروع الجديد الذي سيجعل من الصعب تنفيذ أية مشروعات بديلة لقناة السويس لعدم القدرة على منافستها بعد زيادة طول ازدواج مجراها الذي سوف يختصر فترة انتظار السفن إلى أقل من الثلث تقريبا..

فقد اتجه سلوك السيسي في مجرى واحد وهو إزكاء الروح الوطنية ليس من خلال الأناشيد الوطنية التي طغت على حفل تدشين المشروع الجديد، وإنما من خلال الطريقة الجماعية التي تمت بها عملية التدشين ومشاركة عناصر شتى من المصريين مختلفي الأعمار والمشارب، وحرص الرئيس السيسي على تأكيد هذه الجماعية بفتح الباب لمشاركة جموع المصريين في تمويل هذا المشروع من خلال الاكتتاب في أسهم الشركة التي سيتم إنشاؤها والتي ستدير التمويل لهذا المشروع.. فقد تعامل الرئيس السيسي مع المشروع باعتباره مشروعا قوميا يحتاج لتعبئة كل الجهود المصرية في إطار ملحمة وطنية لتظل المشاعر الوطنية التي وصلت ذروتها المتوهجة في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، خاصة وأنها عنصر مهم وضروري لا غنى عنه لتحقيق أقصى قدر من التماسك الوطني نحتاجه بشدة في حربنا التي نخوضها ضد إرهاب أسود يستهدف كيان دولتنا الوطنية.

وإذا كان ذلك تحديدا قد آثار حالة من الارتياح والتفاؤل لدى الرأي العام المصري وبشرهم بقدرة الاقتصاد المصري على الخروج من عنق الزجاجة وأسر مشاكل حادة تمسك بخناقه، فإن ذلك أيضا على الجانب الآخر هو الذي أثار ضيق وقلق بعض أصحاب المواقف السياسية المسبقة الذين صدعونا طوال الأسابيع القليلة الماضية بعد انتخاب الرئيس السيسي بادعاءات حول المنهج الاقتصادي له.

فمنذ أن تولي عبدالفتاح السيسي مهام منصبه كرئيس للجمهورية وبدأنا نسمع ونقرأ غمزا ولمزا بشكل مخطط حول أنه سوف يكرر التجربة الاقتصادية لجمال عبدالناصر، أي سوف يعتمد على الحكومة والقطاع العام وبالتالي سوف يضيق الخناق على القطاع الخاص وسيحجب الكثير من الاستثمارات عن رجال الأعمال، وأنه بذلك سوف يتجه يسارا وسيهجر طريق اقتصاد السوق.. ولكي يروج هؤلاء مثل هذه الأقاويل ويتقبلها الرأي العام روجوا أيضا لادعاءات مثل أن الرئيس السيسي يحيط نفسه بعدد من المستشارين اليساريين، لأنه يأس من رجال الأعمال الذين لم يستجيبوا كما كان يأمل لمبادرته للتبرع في صندوق تحيا مصر حتى يتمكن من جمع مائة مليار جنيه لتمويل استثمارات تعجز الموازنة العامة للدولة عن توفير التمويل اللازم لها.

وحتى الذين خجلوا من هؤلاء ولم يتبنوا مثل هذه الادعاءات لجؤوا إلى حيلة أخرى بترويج أن الرئيس السيسي بوصفه ابنا للقوات المسلحة سوف يمنح الفرصة الأكبر للمؤسسة العسكرية للسيطرة على السوق وذلك من خلال الهيمنة على المشروعات والاستثمارات الجديدة.. ووجد هؤلاء في بعض مشروعات الطرق التي تدخلت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة للإسراع في إنجازها ما يعزز ادعاءاتهم.. وها هو يتكرر اليوم مجددا ذات الحديث حول تمكين المؤسسة العسكرية من السيطرة على السوق والنشاط الاقتصادي في ظل رئاسة السيسي عندما أعلن أن القوات المسلحة هي التي سوف تتولى الإشراف على تنفيذ مشروع القناة الجديدة بل وستشارك في التنفيذ أيضا مع ثلاثين شركة، رغم أن اختصار تنفيذ المشروع لعام واحد فقط سوف يضاعف عدد الشركات المشاركة في التنفيذ.

وهكذا لم ينضم هؤلاء إلى ترديد تلك الادعاءات التي تتحدث عن تضييق حكومة السيسي على رجال الأعمال والقطاع الخاص، ولم يشككوا كما فعل عواجيز الفرح في جدوى المشروع بادعاء أنه لا ضرورة للمشروع لإن ثمة ازدواج في القناة يكفي لاستيعاب السفن الضخمة ويتناسب مع حركة التجارة العالمية أو بالتشكيك في حجم القناة البديلة التي سيتم حفرها.. إنما صوب هؤلاء سهامهم مجددا إلى المؤسسة العسكرية التي لا غنى ولا بديل عن إشرافها لتنفيذ هذا المشروع في ظل ضرورات الأمن القومي المصري التي نحتاج فيها للتمسك بها، وكان إهدارها أحد أسباب رفضنا مشروع الإخوان لما سمي تنمية إقليم قناة السويس الذي كان يقضي بإنهاء أي إشراف للدولة على منطقة إستراتيجية مهمة جدا من الأراضي المصرية !

وهنا يتضح الهدف وراء ذلك وهو النيل من المؤسسة العسكرية بوضعها في موقع المواجهة مع رجال الأعمال، بعد أن أخفقت محاولات وضعها في موضع المواجهة مع الرأي العام من خلال بعض النشطاء السياسيين الشبان الذين تم غوايتهم من قبل الإخوان بشعار جاذب لهم وهو شعار «يسقط حكم العسكر».. إذن إنه ذات الهدف القديم وهو النيل من القوات المسلحة، وللأسف مثلما نجح الإخوان في التغرير بعدد من الشباب للاشتراك معهم في تحقيقه بعد ٢٥ يناير، فإنهم بعد ٣٠ يونيو نجحوا في التغرير ببعض رجال "البيزنس" لمساعدتهم بشكل مباشر في تحقيقه بادعاء أن الرئيس السيسي استعاض عن هيمنة الدولة على الفضاء السياسي بهمينة القوات المسلحة على السوق!

ولعل ذلك هو الذي دفع الرئيس السيسي للحديث مجددا عن دور الإعلام حينما قارن خطه بخط عبد الناصر مع الإعلام الذي كان يسانده.. ولذلك اهتم السيسي بلقاء جديد مع عدد من الإعلاميين ليتحدث لهم عن الدور الذي ينتظره منهم في مساندة مشروع قناة السويس الجديدة وبقية الجهود الاقتصادية لإنقاذ الاقتصاد المصري والنهوض به وكأن الرئيس السيسي يحتاج أن يشاركه الإعلام بقوة في المواجهة مع الإخوان وحلفائهم الأمريكان.
الجريدة الرسمية