رئيس التحرير
عصام كامل

رمضان مش ذكى!


واحد جار طلبنى بإلحاح هاتفيًا، وفوجئت به ينتظرنى على باب بيتنا في وقت متأخر من الليل، عزمت عليه يطلع معايا يتعشى، وفوجئت به يرفض بإصرار، مؤكدًا أن باب الشُهرة والمجد في انتظاره، ويجب عليه اللحاق به سريعًا، طيب يا عم أنا ذنبى إيه؟ عاوز أجرة المواصلات مثلًا؟!


حكى لى الموضوع باستفاضة، يمكن نسى وقتها إن الباب مُمكن يتقفل فعلًا قبل ما يلحق يدخُل، ويمكن واثق في إن العبد لله ما دام رضى يسمعه، فمُمكن أبقى سبب إنه يتعمل له استثناء ويفتحوا له الباب اللى اتقفل، ساعة ما يقول لهم إنه كان قاعد معايا يعنى، وطبعًا ده شيء مستحيل يحصل، كُنت فتحته لنفسى يا عم الحاج، لكن الصيت ولا الغنى، ومش المفروض هذا الجار يعلم بالحكاية دى حتى لا تهتز صورتى في المنطقة الله يكرمكم!

المُهم والخُلاصة: إن جارنا أسمر البشرة، من النوع الحرَّان شويتين طول السنة، واللى دايمًا فاتح زراير القميص ومطلع صدره برَّاها، وهو يرى في نفسه فنان قدير وكبير، يُشبه إلى حد كبير الفنان الراحل الكبير (أحمد ذكى)، وقام أمامى بتقليد لقطتين للفنان العبقرى فعلًا، تدليلًا على صدره العريض، أو موهبته العريضة!

صاحبنا يحسد الممثل (محمد رمضان) كثيرًا على النجاح الذي حققه، والحقيقة أنا مش شايف أي نجاح، طبعًا النجاح التجارى مع أفلام (السبكى) و(قلب الأسد) و(الألمانى) والأفلام اللى كُلَّها عبارة عن واحد يمسك ألفين يضربهم، وبعدين يطلع على كبير المنطقة يديله على قفاه، ويتجوِّز البنت الحلوة اللى حفيت ورا اللى خلفوه بسبب صدره اللى طالع برَّة القميص طول الفيلم، على أساس إنها عُقدة نقص عندها مثلًا، قبل أن ينضم كمان لموسم دراما رمضان بمسلسل لا يختلف أبدًا عن نوعية أفلامه، وخاصةً في مداعبة أفكار المراهقين ببطل شعبى، وياريت فيه ابتكار، دة شوية من (أرسين لوبين) على (أدهم الشرقاوى) على (أحمد ذكى) في فيلم الهروب، حتى مشهد النهاية منحوت بالمللى من مشهد نهاية فيلم (الإرهابى) للزعيم (عادل إمام)!

طيب فين المُشكلة؟ المشكلة إن (رمضان) علشان أسمر شوية وشعره مفلفل حبة، وجارنا علشان عنده نفس المواصفات، وفرحان بصدره زيه، كُل واحد فيهم فاهم إنه (أحمد ذكى) العصر والأوان، وإن التمثيل عبارة عن شوية تجحيش وتبريق وقلع هدوم، ولا أفهم أبدًا علاقة هذا بـ(أحمد ذكى) الفنان الحقيقى والموهوب، وعبقرى الأداء، فهذا الفنان كان ضابط شرس، وبواب، ورجُل أعمال، وشاعر مسكين، ومُدرِّس، وعاشق فقير مغلوب، وتاجر مخدرات، وزعيم سياسي كبير، وجُندى قروى ساذج، ومُطرب كبير.. إلخ.. 

عشرات الأدوار لم نشعُر أبدًا طوال حياتنا بأنه يُمارس التمثيل، بل كُنا نقتنع بأن الشخصية على الشاشة أمامنا هي شخصية حقيقية، وهذا التنوُّع في الشخصيات المتباينة هو قمة التمكُّن في الأداء، ولا يُمكن مُقارنته أبدًا بواحد لا يتقمص إلا شخصية يتيمة طوال الوقت!

هذه المُقارنة مستحيل تكون في صالح (محمد رمضان)، أو في صالح جارنا إياه اللى عاوز يمشى في نفس الطريق، وقد نصحته إنه يلعب كورة ويحاول يقلِّد (شيكابالا) مادام غاوى تقليد، وإحنا أهو لسَّة ع البر، أما (رمضان) لا يُمكن أن يكون خليفة (أحمد ذكى) ولا يُمكن أن يكون (أحمد ذكى) نفسه، فـ(ذكى) موجود بأعماله وأرشيفه، وليس بمقدور (رمضان) أو غيره أن يضيف لهذه الأعمال أو يصل لربع قيمتها، كما أن الفن لا يعرف الخلافة، فـ(أحمد ذكى) لم يكُن خليفة لفنان آخر، ولو كان كذلك لفشل، لأنه سيبقى ظلًا له، لا عملاق خلاَّق في مجاله كما كان وسيظل، وهذه المُقارنات والادعاءات وحتى لو لم يعقدها أو يؤدها (رمضان) لأنها في الأصل مُضرَّة له لا نافعة، لكن مُجرد ارتضاءه بها، والتصاقه فيها ظنًا أنها باب المجد المفتوح زى جارنا إياه، تُدلل على سذاجة حقيقية، واستسهال لن يؤدى به إلا لإسهال إضافي وتكرار لنفسه وللدور اللى حيلته أكثر وأكثر، ليتربَّع في قاع الفشل!

كلمة أخيرة، جار كان مبهور جدًا باستضافة (عمرو الليثى) لـ(محمد رمضان) بسبب مسلسله الرمضانى، وتحمَّس كثيرًا وهو يؤكد لى أن هذه شهادة ميلاد فنية رسمية حقيقية، وإن (الليثى) إعلامي جاد مستحيل يستضيف حد أي كلام، فقلت له: ماهو (الليثى) كان مستشارا لواحد اسمه (محمد مرسي)، هوه ده كان رئيسا بجد؟ قال لى لأ، بس أكيد كان ممثلا بجد!
الجريدة الرسمية