رئيس التحرير
عصام كامل

أغرب «جريمة» في مصر !


لم يكن يعلم أن والده سيحول بينه وبين تحقيق حلم عمره في أن يصبح قاضيًا يُشار إليه بالبنان، ويملأ الأرض عدلًا.. فقد ظهرت نتيجة المقبولين في «النيابة العامة»- ورغم اجتيازه كافة الاختبارات بنجاح ساحق، إلا أنهم أخبروه بأنه «لا مكان له في سلك القضاء بسبب والده المزارع»!

جن جنون الشاب النابه.. فكيف يكون هو الأول على دفعته بكلية الحقوق ويرفضه المجلس الأعلى للقضاء لأن «والده مزارع».. وتساءل في قرارة نفسه.. هل أضافوا «الزراعة» إلى التهم التي بسببها يُحول المواطن إلى «الجنايات» دون أن يدري؟!، هل أصبحت «الفِلاحة» من المهن التي تجلب العار لصاحبها هو وعائلته، كمهنة «الدعارة» مثلا؟

لم يصل إلى إجابة تطفئ النار التي شبَّت في صدره.. اشتعلت في رأسه الهواجس.. أسرع إلى والده يلومه على عمله في الزراعة، ولماذا لم يحصل على «مؤهل عالٍ»..!

أخذه الوالد في حضنه، وهدّأ من روعه.. ثم نظر إلى عينيه وقال له: «إنت عملت إللى عليك وكل شئ نصيب يا بني»، ثم أكمل الوالد المزراع حديثه لابنه قائلًا: هو إنت فاكر إن لو كنت حاصل على موهل عالي أو حتى مش فلاح كانوا هيقبلوك؟!.. لأ يا بني.. هما مظبطين أمورهم وعارفين مين إللى هيتعين!

ثم واصل حديثه لابنه قائلًا: لو الحكاية كلها عشان أنا فلاح، وغير لائق اجتماعيًا زي ما بيقولوا، يبقى على كده لو ولاد الأنبيا- عليهم السلام- كانوا عايشين بيننا مكنوش قِبلوا في النيابة.. فسيدنا آدم عليه السلام كان «مزارع»، وسيدنا نوح كان «نجار»، وسيدنا إدريس كان «خياط»، وسيدنا موسى كان «راعي غنم»، وسيدنا محمد كان «راعي غنم»، ثم «تاجر»، ورغم كده نزل عليهم الوحي، واختصهم ربنا بالرسالة، فهل القضاء- يا بني- أشرف من رسالة النبوة ؟! بالطبع لأ !

والمشكلة كمان -يا بني- إن الناس إللى أقسمت إنها تنفذ العدل وتحافظ على الدستور، إللى وافقنا عليه، هما أول ناس خالفوا الدستور ولم ينفذوا العدل، وبعد كده بيزعلوا لما حد يهاجم القضاة !

يا بني.. إحنا مش محتاجين ثورة تغير نظام وتجيب نظام تاني.. إحنا محتاجين ثورة في العقول إللي بتصنف الناس على أساس أبوهم مين، وشغال إيه، وغني ولا فقير، ومسلم ولا مسيحي، وناسيين إن الدين جعل الناس كلهم سواسية.. وعلى العموم يا بني أنا لو كنت أعرف إني هسببلك مشكلة مكنتش إتجوزت أمك وأخلفك، أو كنت انتحرت قبل ما تاخد الشهادة الكبيرة !

دمعت عينا الشاب، وانحنى على يد والده يقبلها، طالبًا منه العفو والسماح، واعدًا إياه بأن يسلك كل الطرق القانونية ليكشف التجاوزات التي تحدث في اختيار أعضاء النيابة !
الجريدة الرسمية